استعادة وحدة سوريا
تتقرر على ضفتيّ نهر الفرات ؟
د. عصام نعمان
احداث ملتبسة تدور على ضفتيّ نهر الفرات . في غربه ، تندلع معركة ضارية لطرد "داعش" من مدينة منبج . في شرقه ، تتقدم وحدات خاصة معززة من الجيش السوري بإتجاه مدينة الطبقة وبحيرة سد الفرات.
الهجوم على منبج تقوده "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية التي تخالطها قوات عربية ، مدعومةً بغطاء جوي من طائرات "التحالف الدولي" الاميركية. تركيا كانت هددت بالتدخل عسكرياً اذا ما حاولت قوات كردية مقاتَلَة تنظيماتٍ موالية لها غربَ نهر الفرات لأنها تمانع في وصل مناطق السيطرة الكردية في محافظة الحسكة ، شمال شرق سوريا ، بمنطقة عفرين في غربها . لماذا تخلّت تركيا اخيراً عن ممانعتها ؟
لأن وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر كشف ان "داعش" يتخذ من منبج قاعدة "لتدبير مؤمرات على اوروبا وتركيا وكل اصدقائنا وحلفائنا وعلى الولايات المتحدة ايضاً" . يبدو ان منطق كارتر اقنع رجب طيب اردوغان بضرورة الهجوم على منبج بدليل مسارعة الرئيس التركي الى تبريره بقوله إن القوات التي تشن العملية العسكرية تضمّ 2500 مقاتل عربي سوري و 450 عنصراً فقط من "وحدات حماية الشعب الكردي " !
دمشق وجيشها العربي السوري لم تستأذن احداً في الهجوم لتحرير مدينة الطبقة ومطارها وبحيرة سد الفرات ومحيطها. لا شك في انها احاطت موسكو علماً بهجومها واستحصلت منها على قرارٍ نافذ بمؤازرة جوية له فوق منطقةٍ تكثر فيها طلعات طائرات "التحالف الدولي" الاميركية.
هل هناك تفاهم أشمل وافعل ينتظم العمليات العسكرية الجارية غربيّ نهر الفرات وشرقيّه ؟ ثمة مؤشرات لافتة في هذا المجال ابرزها ثلاثة :
اولاها ، تزايد نشاط "داعش" الإرهابي اخيراً في مناطق عدّة على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا وامتداده الى عمقها وصولاً الى انقرة واسطنبول الامر الذي أقنع القيادات العسكرية التركية بوجوب التصدي له داخل شمال سوريا وعدم الإكتفاء بدعم التنظيمات الموالية لأنقرة ، "جبهة النصرة" مثلاً ، لتنوب عنها في مواجهته.
ثانيها ، ان موسكو اغاظت دمشق في شهر شباط/فبراير الماضي عندما أقدمت ، دونما تنسيق معها وبالتوافق مع واشنطن ، على إقرار هدنة تشمل كل مسارح العمليات ، وشفعتها بسحب عدد كبير من طائراتها المقاتلة من سوريا. كل ذلك في وقتٍ كان الجيش السوري يتقدّم ويسيطر على معظم مواقع "داعش" في محيط حلب الجنوبي ويستعد لتطويق الاحياء الشرقية الشمالية فيها لإستكمال تحريرها كلها. غير ان تصرفات واشنطن المريبة عبر التنظيمات الكردية المتواطئة معها في شمال سوريا الشرقي من جهة ، وضغوط دمشق وطهران على موسكو من جهة اخرى حمل العاصمة الروسية أخيراًعلى تعديل موقفها فإنفتحت مجدداً على دمشق ومخططها الرامي الى طرد "داعش" من الرقة وشمال حلب كخطوة متقدمة في خطة إستعادة وحدة البلاد الجغرافية والسياسية. في هذا السياق ، زودت موسكو دمشق اسلحة حديثة ومتطورة يقوم الجيش السوري بإستعمالها بفعالية في زحفه لتحرير مدينة الطبقة ومحيطها.
ثالثها ، حصول تفاهم مبدئي بين واشنطن وموسكو على النقاط الاتية:
· حصر نفوذ "قوات حماية الشعب الكردي" في شمال شرق سوريا وبالتالي عدم تمكين الكرد السوريين من توسيع رقعة منطقة الحكم الذاتي التي يرغبون في اقامتها الى ما يتجاوز حدود محافظة الحسكة الامر الذي يطمئن انقرة المتخوّفة من وصولهم الى منطقة عفرين في غرب سوريا.
· تسليح موسكو لوحدات البشمركة الكردية العراقية بغية مشاركتها الجيش العراقي والتنظيمات الشعبية المتحالفة معه في عملية تحرير محيط مدينة الموصل .
· إقرار واشنطن كما موسكو بحق دمشق في تحرير محافظتيّ الرقة ودير الزور بقواها الذاتية وبدعمٍ من سلاح الجو الروسي وسائر حلفائها اذا اقتضى الامر.
اذ يبدو أن استعادة وحدة سوريا ستتقرر على ضفتيّ نهر الفرات ، فإن لا اتفاق بين موسكو وواشنطن ، بعد، على مسألة تحرير حلب من "داعش" و"النصرة" وحلفائهما . ذلك ان واشنطن تربط هذه المسألة بمسألة المفاوضات المفترض استئنافها بين دمشق وتنظيمات المعارضة السورية "المعتدلة" ، وبسعيها الى ان يكون لهذه التنظيمات دور في تحرير حلب بغية تعزيز مركزها التفاوضي حيال دمشق. ولعل واشنطن تحاول ايضاً استئخار تحرير حلب للضغط على دمشق لحملها على تقديم تنازلات في مسألة هيئة الحكم الإنتقالي بغية استرضاء السعودية واقناعها بضرورة الإيعاز الى حلفائها في المعارضة "المعتدلة" بالعودة الى طاولة المفاوضات.
تبدو انقرة مستعدة لتقديم مزيد من التنازلات المحدودة استجابةً لضغوط واشنطن وتشجيعاً لموسكو على تقليص تحفظاتها وضغوطها عليها ، بينما تتمسك الرياض برفضها تليين موقفها السلبي من دمشق ، وبسعيها الى اطالة امد الصراع في سوريا الى ما بعد انتخابات الرئاسة الاميركية لإعتقادها ان الرئيس الاميركي الجديد ، سواء جاء ديمقراطياً ام جمهورياً ، سيكون اكثر تشدداً من الرئيس اوباما في وجه اطراف محور المقاومة ، وان ذلك سيكون في مصلحتها ومصلحة حلفائها السوريين والاقليميين.
هذه الصورة للمشهد الإقليمي تبقى ناقصة من دون تظهير بُعدين اضافيين بالغيّ الأهمية : الاسرائيلي والإيراني. قيادات اسرائيل وخبراؤها الإستراتيجيون ما زالوا يتدارسون مسألة مَن هو الأخطر عليها: ايران ام "داعش" . في المقابل ، ايران ما زالت تراقب وتتحسبب لما تفعله الولايات المتحدة في سوريا والعراق ولما تفعله اسرائيل ضد سوريا كما ضد قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
ايّاً ما سيكون هدف اسرائيل(واميركا) المقبل ، سواء احد اطراف محور المقاومة ام "داعش" ، فإن ردة فعل ايران المتوقعة ستبقى على ما هي عليه : التصدي بلا تردد لمحاولات إسقاط سوريا ايّاً كان الفاعل او المتدخل اوالمستفيد...