نشرت بجريدة"البناء" وطالخليج"
تاريخ 4/6/2016
مزاج الناس وقرارهم
ازدراء المسؤولين واجراء الإنتخابات على اساس النسبية
د. عصام نعمان
في غمرة الإنتخابات البلدية تفجّر مزاج الناس وانحسم قرارهم. مزاجهم إزدراء بالقيادات السياسية التقليدية وادواتها الفاشلة لامس حدود القرف. ما عاد بمقدورهم احتمال بلادة المسؤولين وعجزهم . اليأس منهم قادهم الى تفضيل نقيضهم، احياناً ، مع علمهم انهم ليسوا بالضرورة أفضل منهم . أليس هذا ما حدث في طرابلس؟
قرار الناس بغالبيتهم الساحقة بات محسوماً: إجراء انتخابات نيابية على اساس النسبية. هم مارسوها ، سلباً ، بقدّر ما تتيحه احكام قانون الإنتخاب النافذ . فقد حرموا الزعماء التقليديين امتياز حصد جميع المقاعد في دوائر البلديات الكبرى بفارق اصوات معدودة تُشترى غالباً بمال سياسي او تٌقتنص بعصبية وتعصب طائفيين او مذهبيين.
لعل الحقيقة الاكثر سطوعاً التي تكشّفت عنها الإنتخابات البلدية إفتصاحُ الأزمة المتفاقمة بكل ابعادها وعجز المسؤولون المكابرون في التغطية عليها . بات واضحاً ان لبنان يعاني اليوم ازمة متفاقمة أسهمت في تأجيجها وتعقيدها عوامل متعددة داخلية وخارجية ، لعل اسوأها فشل مدوٍّ في ادارة التنوع اللبناني ، وفي معالجة الإختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، تجلّى في شغور رئاسة الجمهورية ، وعجز مجلس النواب الممددة ولايته عن التشريع ، وانقسام الحكومة على نفسها ما تسبّب بإنعدام القرار ، وشلل الادارات والمؤسسات الرسمية ومرافق الخدمات العامة ، وتواتر الإضطرابات الامنية واندلاع ازمات الكهرباء والنفايات والانترنت. كل ذلك في زمن تتهدد لبنان ثلاثة اخطار استراتيجية : اسرائيل العنصرية التوسعية ، والإرهاب التكفيري وتنظيمات العنف الاعمى ، وعصبيات مذهبية متفلّتة من عقالها في غمرة قصور فاضح في اداء القيادات المتسلطة والمتناحرة.
اذْ يتضح ان لا جدوى من انتظار تدخل قوى خارجية لمصلحة ايٍّ من الأطراف المتصارعين لإنشغالها بأزمات افتعلتها بنفسها ، محلياً واقليمياً ودولياً ، كما لا جدوى من اللجؤ الى الآليات والادوات والأساليب نفسها للخروج من الازمة طالما انها ستفرز القيادات الفاشلة والنتائج السياسية نفسها ، فقد بات محكوماً على اللبنانيين ، مسؤولين ومواطنين ، ان يواجهوا الظروف والتحديات الإستثنائية بقرارات استثنائية وبقيادات نهضوية ملتزمة استحقاقات الإنقاذ والتغيير وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.
نعم ، اللبنانيون مدعوون الى الإتحاد في طلب الحرية والكرامة والى تنظيم صفوفهم للضغط على اهل سلطة العجز والقيادات التقليدية المتسلطة من اجل اعتماد قانون ديمقراطي للإنتخابات على اساس النسبية واجراء إنتخابات حرة بموجبه تكون ، بحد ذاتها ، مخرجاً من حال الأزمة والمحنة ، ومدخلاً لتكوين سلطة تشريعية من نواب شرعيين ومؤهلين لإنتخاب رئيس الجمهورية ، ولتأليف حكومة إنقاذ وطني، وإجراء تعيينات امنية وادارية مستحقة ، ولإعادة تأسيس لبنان دولةً ووطناً.
نعم ، ذلك يتحقّق بإطلاق حملة جماهيرية واسعة شعارها "الشعب يريد تطبيق الدستور"، وإزاحة سلطة العجز التي يمدّد اهلها ولايتهم لأنفسهم بأنفسهم، والضغط بكل الوسائل المتاحة والإستثنائية لحمل مجلس النواب على إقرار قانونٍ للإنتخابات على اساس التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة على مستوى البلاد كلها ، واجراء الإنتخابات ، تالياً ، بالسرعة الممكنة كي يصار بنتيجتها الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية ، وتأليف حكومة وطنية جامعة تتولى ، كأولوية اولى ، وضع التشريعـات الضروريـة لتنفيذ احكام الدستور ، ولاسيما المواد 22 و 27 و 95 منه ليصار ، بعد نفاذها، الى إنتخاب مجلس نيابي على اساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف ، ومباشرة إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية محورها التأسيس لبناء دولة مدنية ديمقراطية.
نعم ، يقتضي دعوة قادة القوى الشعبية والسياسية الناهضة بالحملة الجماهيرية الى مواجهة امتناع اهل السلطة ومجلس النواب عن استجابة المطالب الإصلاحية المستحقة والمستعجلَة باللجؤ الى تدابير استثنائية قوامها تكوين مؤتمر وطني جامع يتولى وضع نظام للإنتخابات على الأسس المنوّه بها آنفاً وبإجرائها وفق احكامه بإستقلال عن اجهزة السلطة الرسمية المعطلة أصلاً او المشلولة. وليس من شك في ان اهل سلطة العجز عاجزون قطعاً عن منع اجرائها ، سيما وان الإنتخابات المرتجاة هي اقرب ما تكون الى استطلاع عام تجريه القوى الوطنية الحيّة ومنظمات المجتمع المدني ، بلا استفزاز ولا معاداة لأي جهة سياسية. وفي هذا السياق ، يمكن تشريع التغيير الحاصل بأن يُعتبر المرشحون الفائزون في انتخابات "المجتمع المدني" برلماناً انتقالياً لمباشرة العملية الاصلاحية الجذرية بإتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية.
نعم ، يجب المبادرة الى ممارسة هذا التمرين الساطع في الديمقراطية المباشرة ليكون إنجازاً نموذجياً لشعب لبنان وقدوة لكل شعب عربي يتوق الى تقرير مصيره واولويات حياته بنفسه.