جريدة"القدس"و"البناء"
تاريخ 20/1/2014
محاكمة اشباح قتلوا الحريري وارهابيين قتلوا سوريا
د. عصام نعمان
بدأت في 16 الشهر الجاري في " المحكمة الخاصة بلبنان" في لاهاي محاكمة غيابية لمتهمين بقتل الرئيس رفيق الحريري في بيروت ، وستبدأ في 22 منه في جنيف محاكمة وجاهية لإرهابيين قتلوا سوريا ، او كادوا ، في ارضها ووطنها العربي
صحيفة "در شبيغل" الالمانية وصفت "محاكمة المتهمين الخمسة بإغتيال الحريري بأنها ستكون محاكمة اشباح ، فلا احد يعرف مكان المتهمين فهل تستطيع المحكمة الدولية في هذه الظروف النجاح في مهمتها ؟"
روبرت فيسك كتب في صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية : "امس بدأت المحاكمة في قضية اغتيال رفيق الحريري، ولكن من دون وجود متهمين في قفص الإتهام ، وعلى الارجح ان هؤلاء لن ينالوا عقابهم وفي الواقع انه منذ تأسيس لبنان الحديث قبل اكثر من 60 سنة لم يُعتقل احد لإرتكابه جريمة سياسية"
في بيروت ، ابتهج انصار الحريري بمطالعة المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة الذي كرر مضمون القرار الإتهامي وما سبقه من تسريبات طيلة السنوات التسع المنصرمة تمحورت حول قرينة الإتصالات الهاتفية التي اجراها المتهمون فيما بينهم
زعيم الانصار سعد الحريري ، ابن الرئيس المغدور ، ابتهج في مؤتمر صحافي عقده في لاهاي لمجرد افتتاح المحاكمة واصفاً اياه بأنه يوم تاريخي بإمتياز ، مستهولاً "ان يكون في صفوف اللبنانيين من يمكن ان يبيع نفسه للشيطان ويتطوّع لقتل رفيق الحريري ، وان هذه الحقيقة الجارحة لا تنفع معها محاولات التهرب من العدالة والمكابرة وايواء المتهمين وحمايتهم"
عبارة "إيواء المتهمين وحمايتهم" اراد بها الحريري الابن الإشارة مداورةً الى حزب الله لم يذكره بالإسم لأنه وعد نفسه كما اصدقاءه السعوديين والاميركيين بعدم عرقلة المساعي الناشطة لتأليف حكومة ائتلافية جامعة تضم قوى 14 آذار وقوى 8 آذار وقوى الوسط والمستقلين
المدعي العام في المحكمة الدولية أبقى المتهمين الخمسة وحدهم في دائرة الإتهام ، متحاشياً الإشارة الى اي اتهام للفريق الذي يفترض الحريري الابن احتضانه المتهمين الخمسة وتحصينه اياهم من اي محاكمة غير انه اشار بوضوح الى جهات داخلية وخارجية خططت لإغتيال رفيق الحريري بواسطة انتحاري يقود سيارة "ميتسوبيتشي" بيضاء
إشارة المدعي العام الى جهات خارجية اعادت الى الاذهان شهادة عضو لجنة التحقيق الدولية بو استروم الذي كان كشف قبل اسابيع ثلاثة ان اقماراً اصطناعية لاميركا واسرائيل رصدت عملية الإغتيال، لكن الحكومتين الإسرائيلية والاميركية رفضتا تزويد المحكمة الدولية بالصور والمعلومات المتوافرة لديهما الامر الذي عزّز شكوك المحققين بوجود جهة خارجية شاركت في عملية الإغتيال، خاصةً ان القرار الإتهامي كرّر الإشارة الى ان قرار التخطيط للجريمة ومراقبة تحركات الرئيس الحريري حصلا مباشرةً بعد استقالته في خريف العام 2004
اهل القانون والمحامون الذين استمعوا الى مطالعة المدعي العام او درسوا مضمونها اجمعوا على ان قرار الإتهام بحد ذاته ليس كافياً لتحديد هوية المرتكبين وتجريمهم ، وان عليه تقديم دلائل مادية واثباتات مقنعة في المراحل القادمة من المحاكمة الامر الذي يتطلب اشهراً وسنوات
هل تؤدي اطالة امد المحاكمة الى تعقيد مسألة تأليف حكومة جامعة ؟
يصعب إعطاء إجابة وافية قبل إنتهاء الجولة الاولى من المحاكمة مطلعَ هذا الاسبوع ، فضلاً عن ضرورة إنتظار مفاعيل العملية الإرهابية التي استهدفت مدينة الهرمل قبل أيام ثم عملية الصواريخ المتبادلة التي استهدفت الهرمل وعرسال من مواقع داخل سوريا قيل إنها للمعارضة المسلحة
اذا كانت محكمة لاهاي قد باشرت اعمالها فإن "محكمة" جنيف ما زال دونها الكثير من العوائق فـ"المدعي العام" الاميركي جون كيري لم يتمكّن بعد من إقناع شريكه في صياغة بيان مؤتمر جنيف -1 سيرجي لافروف بإعطاء تفسير محدد لعبارة "هيئة (حكومة) انتقالية كاملة الصلاحيات" هو تنحية الرئيس بشار الاسد لافروف رفض الموافقة على اعطاء هذا التفسير لأن من شأنه إغضاب سوريا وحملها على مقاطعة مؤتمر جنيف -2 ، كما من شأنه اغضاب ايران التي ترفض إلزامها بأي شروط ، ومنها الموافقة علناً او ضمناً على تنحية الاسد ، لإجازة دعوتها الى المؤتمر
سوريا وايران عززتا موقفهما حيال ضغوطات كيري بإجتماع ثلاثي مع لافروف ، صرح بعده الاخير بأن بلاده قلقة من محاولات تقليل عدد جماعات المعارضة السورية التي يجب ان يحضر ممثلوها مؤتمر جنيف -2 ذلك كله حمل المحلل الروسي اندريه باكليتسكي من مركز " بي آي آر" للابحاث في موسكو على القول إن محور طهران – موسكو – دمشق يبدو اقوى بكثير من اي اتحاد عابر إن روسيا وايران تدعمان بشار الاسد وحلاًًّ سياسياً للنزاع ، وهو الامر الوحيد المجدي في الوقت الراهن ، وان الغرب لا خيار بديلاً لديه"
الحل السياسي مهم جداً وهو امر مجدٍ حقاً ، لكنه ليس البديل الوحيد للغرب ذلك ان لاميركا وروسيا مشروعاً مشتركاً ستحرصان على السير به وتحقيقه سواء توصلا مع الاطراف الاخرى الى حـلٍ سياسي في مؤتمر جنيف -2 او تعذر ذلك المشروع المشترك هو مكافحة الإرهاب الذي يمكن وصفه انه بات الدافع الاساس للتعجيل بعقد مؤتمر جنيف -2 فضلاً عن تحوّله موضوعاً رئيساً له وفيه فالولايات المتحدة تعاني من ارتدادات التنظيمات الإرهابية على مصالحها ومصالح حلفائها في الشرق الاوسط وغيرها من اقاليم العالم ، وروسيا تعاني من الإرهاب في عمقها الوطني ، في مناطق القوقاز الإسلامية حيث للتنظيمات "الاسلاموية" الإرهابية وجود وفعالية
وعليه ، يمكن القول إنه اذا كانت محاكمات لاهاي تتناول اشباحاً يصعب تحديدها وإعتقالها ، فإن محاكمات مؤتمر جنيف -2 تتناول ارهابيين موصوفين يعتقد القطبان الاميركي والروسي انه ممكن ملاحقتهم وضربهم وتصفيتهم في كل مكان