نشرت بجريدة "الخليج "و"البناء"
تاريخ 21/5/2016
اميركا تقاضي السعودية امام محاكمها ...
متى مقاضاة اميركا امام العالم ؟
د. عصام نعمان
أقرّ مجلس الشيوخ الاميركي اخيراً اقتراح قانون يتيح لضحايا هجمات 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة ملاحقة المملكة العربية السعودية قضائياً لدورها المفترض في هذه الهجمات. قرار مجلس الشيوخ أحيل على مجلس النواب حيث الغالبية للحزب الجمهوري ، ومن المنتظر ان يصادق عليه من دون معارضة من النواب الديمقراطيين بعدما اعلن مرشحا الحزب الديمقراطي للإنتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز دعمهما للقانون الذي كان السناتور الديمقراطي شاك شومر ونظيره الجمهوري جون كورنين قد اقترحاه سويةً.
البيت الأبيض كان أعلن مراراً ان الرئيس باراك اوباما يعارض هذا القانون لتجنّب تسجيل سابقة تتيح ملاحقة دول بعينها ، وقد طمأن القادة السعوديين اثناء زيارته الرياض في نيسان الماضي بأنه سيمارس سلطته في نقض هذا القانون في حينه . وبالفعل ، بعد إقراره لم يتأخر الناطق بإسم البيت الأبيض جوش ارنست في التصريح بأن "هذا القانون سيغيّر القانون الدولي التقليدي حيال حصانة الدول، وأن رئيس الولايات المتحدة ما زال يخشى ان يجعل هذا القانون اميركا ضعيفة في مواجهة انظمة قضائية اخرى في كل انحاء العالم ".
لماذا يعارض البيت الأبيض ، ظاهراً في الأقل ، هذا القانون؟
الناطق بإسمه لم يتوانَ عن التوضيح . قال "إن الولايات المتحدة التي لديها إلتزامات في الخارج اكثر من ايّ دولة اخرى في العالم ، خصوصاً عبر عملياتٍ لحفظ السلام او عمليات انسانية ، ترى ان اعادة النظر في مبدأ حصانة الدول يمكن ان يتسبّب بمخاطر للكثير من الاميركيين ولدول حليفة".
لا شك في ان اوباما يجد نفسه الآن مُحرجاً للغاية. فهو كان وَعَد السعوديين بنقض هذا القانون . لكن عوامل وظروفاً غير عادية استجدت قد تحمله على إعادة النظر بموقفه. ذلك ان اعضاء الكونغرس الديمقراطيين ماشوا زملاءهم الجمهوريين في دعم القانون ما ادّى الى إقراره بالإجماع في مجلس الشيوخ ، ومن المنتظر ان تتكرر الظاهرة نفسها في مجلس النواب . لهذا الأمر دلالات ، ابرزها اثنتان ، الاولى ان إجماع اعضاء الكونغرس (او شبه إجماعهم) على دعم القانون يلغي فعالية قرار النقض اذا ما اتخذه الرئيس . فهل يتخذ هذا الأخير قراراً يعرف مسبقاً ان لا تأثير له ولا مردود؟ الثانية ، ان اوباما مضطر الى مراعاة مصالح حزبه السياسية الذي يخوض في تشرين الثاني القادم انتخابات رئاسية كما انتخابات نيابية، فلا يعقل ازاءها ان يتخذ قراراً مناقضاً لموقف اعضاء حزبه الداعمين للقانون في مجلسيّ الكونغرس.
ثمة رأي مغاير مفاده ان اوباما واركان ادارته قد يختارون ترجيح المصلحة العليا للدولة المتمثلة في عدم إقرار القانون ، فيتخذ الرئيس قراراً بنقضه تاركاً للكونغرس باعضائه الديمقراطيين والجمهوريين ان يتحمّلوا مسؤولياتهم في هذا المجال. هذا مع اقتناع ضمني لدى اوباما واركانه بأن قرار النقض لن يسيء الى حزبه الديمقراطي في الإنتخابات القادمة كون اعضاء الكونغرس جميعاً سيتحملون مسؤولية القانون في حالتيّ إقراره او رفضه، ولن يُلام هو في اواخر ولايته إن مارس سلطته في نطاق صلاحياته وفي حدود ما يعتبره المصلحة العليا للبلاد .
ماذا ستفعل الرياض ؟
صحيفة "نيويورك تايمز" اوردت ان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حذّر نواباً في واشنطن خلال آذار الماضي من ان السعودية قد تردّ على اقتراح القانون في حال إقراره ببيع سندات خزينة اميركية تملكها بقيمة 750 مليار/بليون دولار مع اصول اخرى.
خبراء ماليون واستراتيجيون دوليون استبعدوا ان تُقدِم السعودية على تنفيذ تهديد وزير خاريجيتها. حتى لو فعلت ، فإن بإمكان السلطات الاميركية مواجهة هذا التدبير غير المسبوق وتعطيل مفاعيله المتوخاة. اما اذا لم تفعل فإن تنفيذ القانون سابق الذكر قد يفضي الى قيام المحاكم الاميركية المختصة بإقرار تعويضاتٍ مالية خيالية لورثة ضحايا هجمات 11 ايلول ، وان المحكمة العليا الاميركية ستقوم بالتصديق على احكام هذه المحاكم في حال الطعن بها ، تماماً كما فعلت بشأن احكام مماثلة كانت صدرت ضد ايران تُدينها بالتسبب في مقتل 241 من مشاة البحرية الاميركيين اثناء الحرب في لبنان وعليه العام 1983.
ايران تعتزم الرد على اميركا بطريقتين :
الاولى ، إقرار مجلس الشورى الإيراني قانوناً يُرغم الحكومة على مطالبة الولايات المتحدة بتعويضات عن "الأعمال العدائية والجرائم" المرتكبة بحق ايران منذ 63 عاماً لا تقلّ قيمتها ، بحسب نائب الرئيس الإيراني مجيد انصاري ، عن مبلغ 50 مليار/بليون دولار.
الثانية ، مقاضاة اميركا طعناً بقرار المحكمة العليا (القاضي بإجازة اقتطاع التعويضات المحكوم بها لورثة ضحايا مشاة البحرية من الاموال الايرانية المجمدة لدى الولايات المتحدة ) امام محكمة العدل الدولية.
هل تحذو السعودية حذو ايران بمقاضاة اميركا امام محكمة العدل الدولية لتعطيل مفاعيل قرار الكونغرس الاميركي بملاحقتها لدورها المفترض في هجمات 11 ايلول 2001 ؟
ليتها تفعل . اذ لا يجوز بأي معيار سياسي او قانوني او انساني ان تبقى الولايات المتحدة خارج اي مساءلة سياسية او مسؤولية قانونية عن ارتكاب اعمال عدائية ضد الدول والشعوب. بل ليت دول اخرى تتشجع ايضا فتقاضي الولايات المتحدة امام محكمة العدل الدولية عن اعمال عدائية ارتكبتها واضرار هائلة تسبّبت بها . وليتها تلاحقها ايضاً امام المحكمة الجنائية الدولية لجرائم اقترفها مسؤولوها وضباطها ضد افراد وشعوب في شتى انحاء العالم . ولعل العراق ، حكومة وافراداً، أولى من غيره بأن يكون البادىء بمقاضاة اميركا امام محكمة العدل الدولية وملاحقة جنرالاتها وضباطها امام المحكمة الجنائية الدولية. فقد شنت اميركا الحرب عليه العام 2003 من دون قرار بإجازة ذلك من مجلس الامن الدولي ، فكان ان ألحقت به من الاضرار البشرية والمادية ما يفوق الوصف، وما زالت آثارها شاهدة على ذلك حتى الان.
متى تمتلك الدول والشعوب المظلومة شجاعة الجهر بمظلوميتها ومقاضاة المسؤولين عنها دولاً وحكاماً وافراداً ؟ متى؟ !