نشرت بجريدة " القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 25/4/2016
اميركا والسعودية :
إتفاق على محاربة "الإسلام الجهادي"
وإختلاف في مواجهة "الإسلام الثوري"
د. عصام نعمان
كشفها دونما مواربة بن رودس ، مستشار اوباما ، بعد مباحثات الأخير مع القادة الخليجيين . قال إن الرئيس الاميركي حاول "المواءمة" بين الأهداف التي يتفق عليها الطرفان ، والأساليب التي هي موضع إختلاف، لا خلاف .
الطرفان متفقان على محاربة "الإسلام الجهادي" المتمثل بتنظيميّ "الدولة الإسلامية - داعش" و"القاعدة" الناشطين في كل مكان ولاسيما في سوريا والعراق واليمن . ومتفقان ايضاً على مواجهة "الإسلام الثوري" المتمثل بإيران وحلفائها، ولاسيما سوريا وحزب الله . لكنهما مختلفان في اسلوب محاربة "الإسلام الجهادي" ومواجهة "الإسلام الثوري".
الأولوية ، في هذه الآونة ، هي لمحاربة " الإسلام الجهادي" في سياسة الولايات المتحدة فيما هي لمواجهة "الإسلام الثوري" في سياسة السعودية. اختلاف الطرفين يتعدّى مسألة الاولوية الى مسألة الكيفية. واشنطن تدعو الى التركيز على محاربة "داعش" في سوريا والعراق واليمن عسكرياً في ساحات القتال ، وسياسياً على طاولات المفاوضات على النحو الآتي :
· في سوريا ، ثمة حاجة لوقف الأعمال العدائية وتوليف تسوية سياسية من خلال مرحلة انتقالية لا يبقى الرئيس بشار الاسد في نهايتها وليس في بدايتها، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة لأن اطالة امد الصراع مُكلفة ولأن " الغالب سيرث بلداً منهاراً سيتطلّب سنوات عدّة لإعادة بنائه".
· في العراق ، يقتضي اتحاد الاطراف السياسية لمواجهة "داعش". حيدر العبادي "شريك جيد" لواشنطن ،"لكن شكل الحكومة مسألة تخصّ العراقيين وحدهم"، مع العلم ان "الشلل السياسي يُعيق جهود الولايات المتحدة في حربها ضد داعش".
· في اليمن ، طالت المهلة التي جرى منحها للسعودية لحسم المعركة الامر الذي يستوجب اعادة النظر بالسياسة المتبعة بغية تركيز الحرب على جماعات الإرهاب التي انتعشت في ظل الحرب السعودية في اليمن وعليها.
لا خلاف بين الطرفين الاميركي والسعودي على مواجهة "الإسلام الثوري" المتمثل بإيران وحلفائها . لكن ثمة "مخاوف خطيرة لدى الطرفين بشأن تصرفات ايران" . فواشنطن تدعو الرياض للتواصل مع "القوى الاكثر عقلانية" في طهران بغية "عدم المشاركة في تصعيد الحروب بالوكالة في المنطقة لأن لا مصلحة لنا جميعاً في النزاع مع ايران". هذه المقاربة السياسية لا تتعارض بالضرورة مع المقاربة الامنية لكِلا الطرفين في تعاطيه مع ايران وحلفائها ، وذلك من خلال :
· تأكيد إلتزام الولايات المتحدة بأمن دول الخليج وحمايتها وتزويدها الاسلحة المتطورة التي تحتاجها .
· الضغط على ايران للحؤول دون تزويد الحوثيين اسلحةً وعتاداً ، والعمل على تسهيل وصول الأطراف اليمنية المتنازعة الى تسوية سياسية في المشاورات الدائرة في الكويت.
· تشديد الحصار ، الأمني والمالي، المضروب على حزب الله لتطويق فعاليته السياسية في لبنان ، وإضعاف مشاركته القتالية في الحرب الى جانب الجيش السوري ، والحؤول دون تزويده اسلحةً متطورة تكسر التوازن القائم حالياً بينه وبين اسرائيل .
الصراع مع "الإسلام الثوري" المتمثل بإيران وحلفائها ، ولا سيما حزب الله ، هدف مشترك للطرفين الاميركي والسعودي ، ولا خلاف جوهرياً بينهما على الأساليب المتبعة في هذا السبيل. فالولايات المتحدة حريصة لإعتبارات استراتيجية عليا على متابعة صراعها مع الجمهورية الإسلامية وتعزيز مواجهتها لها، امنياً وإقتصادياً. واذا كانت المواجهة الامنية ، ولاسيما ما يتعلق منها بحزب الله تتولاها اسرائيل بالدرجة الاولى ، فإن المواجهة الإقتصادية – المالية تتولاها الولايات المتحدة . وهي مواجهة واسعة ، متشعبة ومذهلة . كل ذلك لأن واشنطن تنظر الى حزب الله على انه الذراع الأقوى للإسلام الثوري المتمثل بإيران من جهة والحليف القومي الاوفى لسوريا بما هي الدولة العربية الاصدق إلتزاماً بمقاومة اسرائيل ، من جهة اخرى.
ان نظرةً خاطفة على ما فعلته وتفعله الولايات المتحدة ضد حزب الله يعطي فكرةً عن ابعاد "الحرب الناعمة" ، بفصولها المالية الباردة وفصولها الامنية الساخنة الدائرة حالياً على مستوى العالم برمته ، ولاسيما في ساحات الصراع في غرب آسيا من حيث:
· اصدار الكونغرس الاميركي في 2015/12/18 قانوناً يقضي بمعاقبة الاقمار الصناعية التي تقدّم خدمات البث الفضائي لتلفزيون "المنار" (حزب الله) ما ادى الى وقف بثه عبر "عربسات" ثم عبر "نايل سات" . بعدها جرى فرض عقوبات على المصارف الاجنبية التي تقدّم خدمات وتسهيلات مصرفية لحزب الله وللاشخاص والمؤسسات الواردة اسماؤها على لائحة العقوبات الخاصة بهذا القانون.
· اعلان مكتب مراقبة الاصول الخارجية في وزارة الخزانة الاميركية (اوفاك) في 15 الشهر الجاري البدء بتطبيق عقوبات القانون الآنف الذكر، وتشمل منع المصارف الاجنبية من المراسلة مع المصارف الاميركية والوضع على لائحة العقوبات الخاصة بهذا القانون . كما استحدثت "اوفاك" لائحة اجراءات بالعقوبات المالية على حزب الله ضمّت اكثر من 100 فرد ومؤسسة ، وتقضي بتجميد اصول هؤلاء ومنعهم من التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية في اي دولة لها اتفاقات تعاون امني مع اميركا.
· بعد اقل من شهرين على صدور القانون ، نظّمت السلطات الاميركية ، بالتعاون مع عدّة دول اوروبية حملة استهدفت ما اسمته شبكات تقديم الدعم المالي لحزب الله ما افضى الى اعتقال بعض رجال الاعمال الشيعة بتهمة الاتجار بالمخدرات وتبيض الاموال لصالح الحزب.
هذه " الحرب الناعمة" التي تشنها الولايات المتحدة على حزب الله لا تقتصر مفاعيلها عليه بل تتناول ايضاً حلفاء له في الخارج والداخل . ففي واشنطن تبنّت المحكمة العليا حكماً يقضي بتسليم اصول مالية ايرانية مجمّدة تربو على 2 بليون/مليار دولار الى عائلات اميركيين قتلوا خلال تفجيرات "ارهابية" اتهمت بها ايران وكانت ادت الى مقتل 241 جندياً اميركياً في بيروت خلال اضطرابات العام 1983.
الى ذلك ، فإن افراداً واحزاباً وجماعات قد تتحرج في المستقبل من التعاون السياسي مع حزب الله مخافة ان تُقدِم السلطات الاميركية على معاقبتها بدعوى التعامل مع حزب الله "الارهابي" ، فتمنع اعضاءها من السفر او تلاحقهم ، على الشبهة ، بأنهم يتعاطون تهريب المخدرات وتبيض الاموال !
مقربّون من حزب الله استوقفتهم الإجراءات الاميركية ، لكنها لم تقلقهم. ذلك ان الولايات المتحدة (واسرائيل) تشن منذ اكثر من عشرين سنة حرباً متواصلة على حزب الله ، ومع ذلك تمكّن من تفادي مفاعيلها بشكل او بآخر . يسلّمون بأنها اجراءات مزعجة ومُكلفة وقد تؤثر في بعض الحلفاء ، لكنها لن تُحدث تغييراً نوعياً في موازين القوى، لا في لبنان ولا في المنطقة.