نشرت بجريدة "القدس العربي" والبناء"
تاريخ 18/4/2016
بين السعودية ومصر وتركيا
التحالف ضد ايران صعب ...الإصطفاف ممكن ومحدود
د. عصام نعمان
الحفاوة البالغة التي قوبل بها اخيراً الملك سلمان بن عبد العزيز في مصر وتركيا توحي بأن تحالفاً ثنائياً قد قام بين الرياض وكلٍّ من القاهرة وانقرة ، بل تشي بأن تحالفاً آخر ، ثلاثياً، قد قام بين هؤلاء جميعاً .
الواقع ان ظاهر الحال شيء وباطنه شيء آخر. ربما هناك اتفاق بين الرياض والقاهرة رأى النور قبل الزيارة الأخيرة للعاهل السعودي وتعمّق خلالها ، لكن ذلك لا يرقى الى مستوى التحالف. الامر نفسه ينطبق على علاقة الرياض بأنقرة : اتفاق تحت الطاولة ، عميق ووثيق ، لكنه لا يرقى الى مستوى التحالف الفاعل.
لماذا ؟
لأن السعودية ، وحدها ، يمكنها ان تكون صديقاً مشتركاً بين دول عربية وإسلامية بفضل الدين حيناً وبفعل المال دائماً. لكن ليس في مقدورها ولا في مقدور غيرها ، ولاسيما مصر وتركيا ، ان تكون حليفةً عسكريةً لأيٍّ منهما. فمصر غارقة في ازمة اقتصادية خانقة منعتها من المشاركة في حرب اليمن ، كما حالت اعتبارات جيوسياسية واستراتيجية دون خوضها الحرب في سوريا وعليها. كذلك تركيا ، حالت وتحول ازماتها الداخلية وإلتزاماتها الخارجية دون الإنخراط مع السعودية في تحالفٍ معلن .
الى الإعتبارات الإقتصادية الكابحة ، ثمة أسباب سياسية واخرى عسكرية تحول دون ارتقاء العلاقات بين السعودية واصدقائها الى مستوى التحالف. فمصر عقدت معاهدة صلح مع اسرائيل ، وتركيا عضو اصيل في حلف شمال الأطلسي "الناتو". صحيح ان السعودية لم تكن في اي وقت في حال حرب مع اسرائيل ، لكن وضعها كدولة عربية وإسلامية لا يسمح لها بأن تتحالف علناً ، سياسياً وعسكرياً ، مع دولةٍ مرتبطة بمعاهدة صلحٍ مع دولة اخرى ما زالت معظم الدول العربية تعتبرها عدواً. ربما لهذا السبب تحديداً ارتأت الرياض التمهيد لتعاون مقبلٍ مع عدو الأمس النظري ضد عدو اليوم الماثل بأن تسترد جزيرتين في فم خليج العقبة كانت تخلّت عنهما لمصر العام 1950 لعجزها عن حمايتهما. اليوم اضحت العداوة لإسرائيل اخف وطأة بكثير من العداوة لإيران ، فلا بأس من استعادة جزيرتي تيران وصنافير اللتين لا تتطلبان ، في الوقت الحاضر ، اية حماية من "عدوان" عدو "سابق" .
كذلك ستشعر السعودية بحرج شديد إن هي انضوت في تحالف علني مع حكومة مصر التي تشاطر اسرائيل عداءها لحركة "حماس" المتهمة بأنها تنظيم "اخواني" وإرهابي".
ثم لماذا تتحالف السعودية علناً مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي الذي يرتّب عليها إلتزامات سياسية وعسكرية لا ترى الرياض ان لها مصلحة وازنة فيها ؟
في المقابل ، لا تجد تركيا لنفسها مصلحة في الإنضواء ، عبر السعودية ، في تحالف مع مصر لسببين : الاول ، لأنها على صلة حميمة مع "حماس" الإسلامية التي توفر العلاقة بها سبيلاً لعقد صلات سياسية طيبة مع تنظيمات فلسطينية اخرى الامر الذي يمنحها "شرعية" مرغوبة في عالم العرب والمسلمين . الثاني ، لأن القاهرة تعتبر "حماس" الفرع الفلسطيني للأخوان المسلمين بما هم اعداء ارهابيون لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في حين تعتبرهم تركيا اردوغان حلفاء ايديولوجيين وسياسيين لها في عالم العرب .
الى ذلك ، لا تشاطر القاهرة وانقرة حكومة الرياض عداءها الشديد لإيران . صحيح ان مصر ترغب في ان تشكّل بذاتها درع حمايةٍ للسعودية وسائر بلدان الخليج، إلاّ انها غير راغبة في استعداء ايران . كذلك تركيا ، فهي وإن يسؤها دعم ايران لحركات المقاومة العربية المعادية لأسرائيل ولبعض التنظيمات الاسلاموية السلفية المتعاونة معها ، إلاّ انها منخرطة في تعاون اقتصادي متنامٍ مع ايران ويهمها المحافظة عليه وتوسيعه.
يتحصّل من مجمل هذه الواقعات والإعتبارات والمصالح المتضاربة ان قيام تحالف ثلاثي بين السعودية وتركيا ومصر صعب للغاية في هذه الآونة إن لم يكن مستحيلاً. لكن التخوّف من ايران يدفع القاهرة وأنقرة الى مجاراة الرياض في سياستها الرامية الى اقامة اصطفاف اقليمي وإسلامي لقوى وازنة يكون بمثابة جدار عالٍ ضد توسّع نفوذ ايران واداة فاعلة لإحتوائه. أليس هذا ما حاولت القيام به في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول ؟
ما فعالية هذا الإصطفاف ؟
الجواب : فعاليته محدودة بالنظر الى جملة تحديات ، ابرزها :
· صعود الحركة الكردية المعادية لحكومة اردوغان الامر الذي سيحمل هذه الاخيرة، مضطرةً ، الى ايجاد صيغة للتنسيق والتعاون مع ايران كونها تحتضن مجتمعاً كردياً هو الأكبر عدداً بعد رديفه التركي.
· وجود مخطط اميركي – اسرائيلي لدعم قيام كيان كردي في شمال سوريا يكون قادراً على التعاون والإتحاد في قابل الأيام مع الاقليم الكردي في شمال العراق لتشكيل دولة كردية مستقلة يُراد لها ان تُسهم في زعزعة الجمهورية الإسلامية في ايران الحاضنة مجتمعاً كردياً كبيراً . ذلك من شأنه ان يحمل حكومة اردوغان، عاجلاً او آجلاً ، على التعاون مع سوريا لتدارك قيام كيان كردي في شمالها الشرقي يشكّل عدوى وقدوة لملايين الكرد في جنوب شرق تركيا.
· تعاظم قدرات حركات المقاومة العربية الناشطة ضد اسرائيل سيُحرج ويُضعف في آن اي اصطفاف اقليمي او إسلامي يسعى الى مواجهة قوى المقاومة ، ولا سيما حزب الله اللبناني والجهاد الإسلامي و"حماس" الفلسطينيتين . ولعل ضرورة مواجهة الإرهاب التكفيري في سوريا والعراق ستؤدي الى إفشال مخطط اسرائيل، وبعض العرب ، الداعي الى اعتبار ايران هي عدو العرب الاول في المرحلة الراهنة وليس الكيان الصهيوني.
الإصطفاف ضد ايران ، اذاً ، ممكن ... التحالف ضدها يبدو صعباً وغير مجزٍ، وكذلك التحالف ضد حركات المقاومة العربية المعادية لأسرائيل.