نشرت بجريدة "البناء " والقدس العربي"
تاريخ 4/4/2016
سياستان متكاملتان:
توطين النازحين وتصدير الإرهابيين؟
د. عصام نعمان
قادة دول الغرب الأطلسي ، كما الأمين العام للأمم المتحدة، يعتقدون ان توطين النازحين السوريين في الدول المجاورة هو الحل الأمثل. لترويج هذه السياسة تمهيداً لممارستها ، زار لبنان اخيراً بان كي مون ومعه فريق من القياديين الإقتصاديين الأمميين ، وبعده وزيرخارجية بريطانيا فيليب هاموند ، وقريباً يزوره الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند.
دول الإتحاد الأوروبي ، بتشجيع من الولايات المتحدة ، كانت عقدت مع تركيا صفقة بمليارات الدولارات لقاء وقف تهريب النازحين من شواطئها الى اوروبا ، ونقل الآلاف منهم من جزر اليونان الى الاراضي التركية ، وربما ايضاً لتوطين بعضهم في اراضيها .
بان كي مون لم ينفِ خلال زيارته لبنان إنخراط الأمم المتحدة في مخطط توطين النازحين حيث هم . غير انه صرّح بعد مغادرته ان ثمة خطة لتوطين اكثر من 400 الف نازح قبل نهاية العام 2018 من دون ان يحدّد الدول التي ستتحمل هذا العبء الثقيل. مون قد يلجأ لاحقاً الى تبرير انخراط الأمم المتحدة في الخطة الخطيرة بالإشارة الى إلتزام لبنان طوعياً بإتفاقية 1951 الناظمة لحق اللجؤ ، ولا سيما احكامها المتعلقة بالاندماج المحلي (التوطين) واعادة التوطين في بلد ثالث ، والعودة الطوعية الى البلد الأصلي. مع العلم ان النازح السوري لا ينطبق عليه مفهوم اللاجيء
يتوافق معظم اهل السياسة في لبنان على رفض التوطين سنداً لأحكام الفقرة "ط" من مقدمة الدستور ، إلاّ انهم يقفون حائرين ، متخوفين من سياسة التوطين وإنعكاساتها السلبية على تركيبة البلاد الديمغرافية من جهة ، ومن جهة اخرى على النازحين السوريين انفسهم الذين بات عددهم يربو على مليون ونصف المليون .
فريق من القادة السياسيين المحافظين يجاري غالبية اللبنانيين في رفض التوطين، لكنه لا يمانع البتة في قبول ما تَعِد به الأمم المتحدة ودول الغرب الأطلسي من مساعدات للنهوض بأعباء النازحين الإقتصادية والإجتماعية . في المقابل ، يشكك فريق آخر وأكبر في اغراض بعض دول الغرب الأطلسي الضالعة في دعم التنظيمات الإرهابية في سوريا او في الإحجام عن محاربتها ، ويخشى من ان تؤدي سياسة دعم النازحين حيث هم الى دمجهم تدريجاً وصولاً الى توطينهم في سياق مخطط معادٍ لوحدة سوريا ، وبموجب ترتيباتٍ مريبة يجري اعدادها لتشمل مجمل دول المشرق العربي.
ثمة اساس للتشكيك بسياسة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا حيال ما جرى ويجري في لبنان وسوريا والعراق. ذلك انها لا تشارك مجتمعةً ، داخل "التحالف الدولي ضد الإرهاب" ، ولا منفردةً خارجه في محاربة فعالة لـِ"داعش" و"النصرة" سواء على حدود لبنان الشرقية (عرسال وراس بعلبك ومنطقة القلمون خصوصاً) او في سوريا ( محافظات دير الزور والرقة وادلب ودرعا) او في مناطق العراق المحاذية للحدود التركية . كما لا تبذل جهداً لوقف دعم تركيا والسعودية بعض تنظيمات "المعارضة المعتدلة" التي ثبت تعاونها مع "النصرة"، وذلك لعدائها لحكومة الرئيس بشار الأسد .
اللافت والمريب ان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لا تنفك تعلن بلا كلل ان لا دور للأسد في مستقبل سوريا متجاهلةً الإنعكاسات السلبية لهذا الموقف على وقف الأعمال العدائية ( او حتى الهدنة) القائمة في سوريا ، ولا على المفاوضات غير المباشرة التي يرعاها مبعوث الامم لمتحدة ستيفانو دي مستيورا في جنيف .
كل ذلك يطرح اسئلة مفتاحية : هل يمكن فعلاً التوصل الى حل سياسي للنزاع اذا ما ثابر قادة نافذون في اميركا وفرنسا وبريطانيا على الإعلان بأن لا دور للأسد في الفترة الانتقالية ؟ ألا يشجع هذا الموقف بعض فئات المعارضة السورية على عدم المشاركة في مفاوضات جنيف او عرقلتها ، في الاقل ؟ ألا يؤدي ذلك ، تالياً ، الى تلغيم الوضع الميداني القائم وربما الى تفجير الحرب مجدداً ومحاولة تدويمها؟
من الواضح ان استمرار المسؤولين في واشنطن وباريس ولندن بموقفهم السلبي من الاسد لا ينبع من مشاعر شخصية بقدْر ما يعبّرعن مقاربة سياسية يظنّ اهل القرار في الغرب الاطلسي بأن من شأنها التأثير في محور طهران- دمشق- قوى المقاومة العربية لحمل قادته على القبول بتنازلات سياسية او ميدانية معينة لمصلحة حلفائهم الإقليميين .
هذه المقاربة الاطلسية الملتبسة لن تحمل الاسد وحلفاءه على التراجع عن سياسته المعلنة بمتابعة الحرب لغاية تنظيف مناطق البلاد جميعاً من التنظيمات الإرهابية ، كما لن تتدفعه الى التخلي عن سلطته ودوره في اثناء المفاوضات لإصراره على ان معنى الإنتقال من الوضع السياسي القائم الى وضع جديد يكون بمتابعة العمل بالدستور الحالي لحين الإتفاق بين الأطراف السوريين المتفاوضين على دستور مغاير.
كذلك لن تضير هذه المقاربة تنظيم "داعش" الذي ، وإن يشعر بتضافر قوى معادية عديدة ضده لإقتلاعه من مناطق دير الزور والرقة والموصل ، إلاّ أنه وضع هذا الإحتمال الراجح في حسبانه بإعتماد استراتيجيا معدّلة لنشاطه الإرهابي . فقد نسبت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية الى اثنين من اعضاء "داعش" كانا شاركا في اجتماع مركزي ضمّ نحو 200 من قادته في بلدة الطبقة السورية اوائل تشرين الثاني / نوفمبر الماضي ، قولهما إن الإجتماع المذكور قرر امرين : الاول ، إعطاء السيطرة على السكان الاولوية على السيطرة على الجغرافيا . الثاني ، تصعيد تصدير الفوضى الى اوروبا.
هذه الإستراتيجيا المعدّلة باشرها "داعش" بسرعة قياسية بدليل عملية باريس الإرهابية في نوفمبر الماضي ، ومن ثم عملية بروكسل الاخيرة ، كما يُفترض ان يكون قد قرر "تعويض" أي خسارةٍ محتملة في دير الزور والرقة والموصل بتصدير مزيد من الإرهابيين الى اوروبا علاوةً على عديد الخلايا النائمة المنتشرة فيها أصلاً.
في ضوء هذه الواقعات المعززة بأدلة وشواهد عدّة ، يمكن الإستنتاج ان سياسة التوطين الاطلسية تتكامل ، مباشرةً او مداورةً ، مع سياسة تصدير الإرهابيين الداعشية. فهل بمثل هذه المقاربة الملتبسة والمتناقضة يستطيع الغرب الاطلسي ، حتى لو كان جادّاً ، محاربة الإرهاب وقهره ؟