جريدة" القدس العربي" و"البناء"
نشرت تاريخ 21/3/2016
مكافحة إرهاب المنظمات واجب ...
ماذا عن ارهاب الحكومات؟
د. عصام نعمان
شاركتُ على هامش الدورة 31 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في ندوة جامعة جرت فيها مناقشة موضوع الساعة : "مكافحة الإرهاب من دون انتهاك حقوق الإنسان". قلتُ في مداخلتي إن مجلس الأمن الدولي اتخذ جملة قرارات حيال عدّة احداث تضمّنت ادانة للإرهاب والمنظمات الإرهابية ، لكن لم يتضّمن ايٌّ منها ادانة ارهابيين من عملاء الحكومات او حتى مجرد اشارة اليهم.
الأخطر من ذلك ان أيّاً من قرارات مجلس الأمن الدولي لم يتضمّن تعريفاً واضحاً وشاملاً للإرهاب يمكن اعتماده في احكام القانون الدولي.
الى ذلك ، ترسملت الولايات المتحدة الاميركية وبعض من حلفائها على هذه الليونة الفاضحة إزاء الإرهابيين من عملاء الحكومات واستغلتها في خدمة سياساتها . كذلك استخدم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ببراعة هذه الليونة، شأن حكومات إنتهازية ، لتعزيز قوته العسكرية ولتصفية مَن جرى تصويرهم لها بأنهم اعداء مشتركون.
ثمة حقيقة راسخة ان الولايات المتحدة ساعدت في نشؤ منظمات ارهابية. يجزم روبرت كنيدي الابن (ابوه كان وزيراً للعدل خلال عهد اخيه الرئيس الراحل جون كنيدي) ان بول بريمر ، "نائب الملك" ، الذي عيّنه الرئيس جورج دبليو بوش حاكماً للعراق غداة احتلاله ، " اتخذ قراراً كارثياً بأن أنشأ فعلياً الجيش السنّي الذي يُسمّى الآن الدولة الإسلامية ". كذلك كشف دكستر فيلكن ، احد كبار الكتّاب في مجلة "ذي نيويوركر" ان "الدعم العسكري الاميركي البالغة قيمته 500 مليون دولار الذي خصصه اوباما لسوريا (اي لدعم تنظيمات المعارضة السورية المناهضة لـِ "داعش") انتهى في شبه المؤكد لمصلحة الجهاديين المتطرفين" (راجع ما قاله روبرت كنيدي الابن ودكستر فيلكن في:
htt/www.politio.com/magazine /story/2016/ rfk-jr-why-Arabs-don’t- trust-amarica-213601)
يبدو ان الولايات المتحدة وعت اخيراً الخطر المميت الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية" . فقد كشف مدير وكالة الإستخبارات المركزية الاميركية جون برينان في شهر شباط /فبراير الماضي ان في مقدور "داعش" انتاج كميات كبيرة من الكلورين وغاز الخردل ، وان لدى الإستخبارات الاميركية دلائل عدّة تشير الى ان "داعش" استخدم اسلحة ومواد كيميائية في ميادين القتال ، ولاسيما في سوريا والعراق ، وان في وسعه ايضاً تصدير اسلحة كيميائية الى دول الغرب لتحقيق ارباح .
امام هذا الخطر المميت ، يقتضي ان يهبّ الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المحبة للسلام لممارسة اقوى الضغوط على الحكومات في جميع انحاء العالم لترتفع ، بلا ابطاء، الى مستوى الخطر المميت المحدق من اجل الموافقة على المشاركة في اجتراح وتبنّي برنامج متكامل وفعال لمواجهة الإرهاب عموماً و"داعش" خصوصاً وذلك من خلال التدابير الآتية:
اولاً، وضع وتنفيذ خطة سياسية وثقافية وامنية شاملة ومتكاملة لمواجهة الإرهاب على المستويين الشعبي والحكومي، يقرّها مجلس الأمن الدولي ويجري تنفيذها بصرامة تحت رقابة شفافة، حكومية وشعبية.
ثانياً ، إقرار واعتماد تعريف أممي شامل للإرهاب كفعل جرمي يتضمن تحديداً واضحاً لعناصره المعنوية والمادية كما للأحكام والعقوبات الواجب إنزالها بمرتكبيه بقرارات من المحاكم الوطنية والدولية.
ثالثاً ، اقامة وكالة متخصصة للأمم المتحدة تتولى كل المهام والتدابير المتعلقة بالإرهاب كخطر يهدد العالم برمته ، كما تتولى توفير مناهج ووسائل مواجهته ، على ان يصار الى ادخال جرائم الإرهاب وغسل الأموال وتهريب المخدرات في صلاحية المحكمة الجنائية الدولية ، فلا تبقى حكراً على محاكم دول كبرى تشكّل احكامها ، غالباً ، خرقاً لسيادة دول اخرى وانتهاكاً لحقوق الإنسان.
رابعاً ، اقامة جهاز دولي لرصد وملاحقة وتوقيف الإرهابيين واحالتهم على المحاكم القضائية ذات الإختصاص في كل دول العالم .
خامساً ، اقامة مؤسسة اممية لرعاية ضحايا التعذيب وتأهيلهم .
بإختصار ، بات الإرهاب جريمة من الخطورة القصوى تركها للحكومات او للمحاكم الوطنية وحدها. اكثر من ذلك ، بات من الحماقة بل من الجنون الإكتفاء بإدانة الإرهابيين الافراد من دون ادانة وملاحقة الإرهابيين من عملاء الحكومات التي تستخدم ، بلا وازع من ضمير او مسؤولية ، الإرهاب نهجاً ووسيلة في تنفيذ سياساتها.