"جريدة"الخليج"
تاريخ5/3/2016
بين كلينتون وترامب
أيهما أقل سؤاً للعرب والمسلمين ؟
د. عصام نعمان
العرب منشغلون بأنفسهم في كل أقطارهم : حروب وانتفاضات واضطرابات أمنية وعصبيات مذهبية و"صحوات" اثنية. المسلمون ايضاً منشغلون بأنفسهم في كل بلدانهم، شأنهم شأن العرب في معظم ما يعانونه على جميع المستويات . ليس غريباً ، والحال هذه ، ان ينشغل العرب والمسلمون في امريكا بأنفسهم ايضاً شأن ابناء جلدتهم في اوطانهم الام . الى ذلك ، ثمة قاسم مشترك بين هؤلاء جميعاً في اوطانهم ومغترباتهم: امريكا.
نعم ، امريكا هي سبب انشغالهم . امريكا في سياساتها وممارساتها في عالم العرب وعالم المسلمين ، كما امريكا في اوضاعها الداخلية ومخططاتها الخارجية، وما يمكن ان تكون عليه بعد انتخاب رئيسها الجديد في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
القضايا والتحديات التي يواجهها العرب والمسلمون في اوطانهم يواجهون مثلها، في الغالب ، العربُ والمسلمون في امريكا في سنة الانتخابات الرئاسية . فهم منقسمون حولها في اوطانهم مثلما هم في مغترباتهم .
من المبكر معرفة ايٍّ من المرشحين ، الديمقراطيين والجمهوريين ، سيختار منهم كلٌ من الحزبين المتنافسين مرشحه النهائي للرئاسة. غير ان نتائج الإنتخابات التمهيدية التي جرت مؤخراً في "يوم الثلاثاء الكبير" و شملت 12 ولاية اعطت الناخبين الامريكيين جميعاً فكرةً عمّن سيكونان المرشحَين الرئيسين فيها ، وماذا ستكون سياسة كلٌ منهما، بصورة عامة ، بعد اضطلاع الفائز بمنصب الرئاسة.
نتائج "الثلاثاء الكبير" تشير الى ان المرشح الأقوى بين الديمقراطيين هي هيلاري كلينتون وبين الجمهوريين دونالد ترامب.
هيلاري ، شأن زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون ، ليبرالية مناهضة للتمييز العنصري، ناقدة لقسوة الشرطة وانتهاكاتها بحق السود ، معارضة للتمييز العرقي في الخدمات العامة ، ساخطة على ظاهرة الإنتشار العشوائي للسلاح بين المواطنين ، داعية لإصلاح نظام التعليم وجادة في توفير وظائف جديدة لتقليص البطالـة المتزايدة. ولا شك في انها مع احتدام المعركة الإنتخابية ستصبح اكثر ليبرالية وذلك للحدّ من تأثير منافسها الأبرز ، السناتور بيرني ساندرز ، الذي يعلن بصراحة واعتزاز انه ديمقراطي اشتراكي.
دونالد ترامب رجل اعمال وثري كبير في القطاع العقاري ، يميني متطرف الى درجة الحماقة ، لا يخفي امتعاضه من الأقليات عموماً ومن السود وذوي الأصول المكسيكية خصوصاً ، ويدعو الى اقامة جدار عالٍ على طول حدود الولايات المتحدة مع المكسيك لوقف هجرة ابناء تلك البلاد الى الولايات المتحدة ، كما يدعو الى منع المسلمين من دخولها !
ماذا عن موقف كل من كلينتون وترامب من قضية فلسطين ؟
كلينتون تدعو ، شأن زوجها من قبلها ، الى "حل الدولتين " في فلسطين ، لكنها تعتبر نفسها صديقة لـِ "اسرائيل" . بصورة عامة ولا يعقل ان تتخذ موقفاً سلبياً منها او من سياستها.
ترامب تعهد بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس بعد وصوله الى سدة الرئاسة ، وانتقد دعم ادارة اوباما للتنظيمات الإرهابية ، كما دعا الى وقف المساعدات الأمنية لدول الخليج ، ولم يخفِ إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن !
اذ تحرص هيلاري كلينتون على التصرف برصانة ومودة مع الناخبين ، والإمتناع عن مهاجمة منافسيها ، لا يتوزع ترامب في المقابل عن شتم منافسيه والتهكم عليهم ونعتهم بشتى النعوت. انه شعبوي بلا حدود واحمق بإمتياز.
العرب والمسلمون الامريكيون لن ينتخبوا ترامب المعادي لهم والعازم على ايذائهم، بشكل او بآخر ، اذا تسنّى له الوصول الى الرئاسة . لكنهم لن يتحمسوا لإنتخاب كلينتون إلا بمقدار ما يساعدها ذلك على هزيمة ترامب . بإختصار ، تبدو كلينتون اقل سؤاُ من ترامب الأحمق بالنسبة لغالبيتهم .
مياه سياسية كثيرة ستجري ، بطبيعة الحال ، تحت جسور المنافسة الانتخابية المريرة من الآن لغاية يوم الإقتراع مطلع شهر نوفمبر المقبل. لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير الى ميل الناخبين عموماً الى الديمقراطيين اكثر من ميلهم الى الجمهوريين. واذا ظلّ هذا الميل ثابتاً ، فإن هيلاري كلينتون ستصنع سابقة تاريخية كأول امرأة امريكية تُنتخب رئيسة خلفاً لباراك اوباما الذي كان صنع سابقة تاريخية ايضا كأول رئيس اسود في تاريخ الولايات المتحدة...