نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 29/2/2016
لأن العداء مستمر...
لا وقف جدّياً للأعمال العدائية
د. عصام نعمان
كم يبدو الوضع في سوريا سوريالياً !
قرار مجلس الامن الدولي 2268 دعا الى وقف فوري للأعمال العدائية ووجوب إلتزام الأطراف المتصارعين بالقانون الدولي الإنساني. هل يمكن وقف الأعمال العدائية فيما العداء مستمر ومتفاقم بين الأطراف المتصارعين ؟ ثم، هل يعقل ان تقبل اطراف ليست دولاً ولا تعترف بالقانون الدولي الإنساني الإلتزامَ باحكامه ؟
قرار مجلس الامن أكّد على وحدة سوريا وسيادتها وحق شعبها في تقرير مستقبلها، فلماذا يُوقف الجيش السوري حربه الدفاعية على تنظيمات تقاتله ، سواء كانت ارهابية بمفهوم دمشق وموسكو ام "معارضة معتدلة" بمفهوم واشنطن ؟
الى ذلك ، أعلنت تركيا بلسان رئيس وزرائها ان "الهدنة ليست ملزمة ، ولا تعني سوى سوريا، وانه عندما يتعلق الامر بأمن تركيا لا نطلب اي اذن ، بل سنقوم باللازم مع كلٍّ من "وحدات حماية الشعب" (الكردية السورية ) و"داعش" عندما نرى الامر يتطلب ذلك" .
السعودية جهرت وتجهر بعدائها للحكم السوري ودعمها للتنظيمات التي تقاتله . تركيا اعلنت وصول اربعة طائرات حربية ومعدات سعودية الى قاعدة انجرليك ، فهل هي طليعة الإستعدادات لتطبيق "الخطة ب" التي لوّح بها وزير الخارجية الاميركي دون كيري؟
واذا كانت تركيا ستقوم ، عاجلاً او آجلاً ، بالتصدي لـِ "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة وكانت اعلنت موافقتها على إلتزام الهدنة ، فماذا سيكون موقف واشنطن ؟ وهل ستكون ملزمة ، بموجب "الخطة ب" ( الغامضة) بالتصدي لتركيا في حال دخول جيشها الى شمال سوريا لمواجهة "وحدات حماية الشعب" ؟ وهل ، في معمعة الصراع المتواصل بين جميع الأطراف ، تنفذ انقرة مشروعها القديم بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا؟
اخيراً وليس آخراً ، ماذا سيكون موقف واشنطن وموسكو من التنظيمات المقاتلة التي تعتبرانها غير ارهابية بعدما قامت "جبهة النصرة" بإخلاء بعض مقارها ومواقعها في محافظة ادلب وتوكيلها بالحلول محلها ؟ هل صفة الإرهاب ستشمل الوكيل الذي يتولى ادارة اعمال الاصيل؟ وهل تقبل دمشق سكوت واشنطن (وموسكو) عن هذا الإخراج المريب لتمثيلية التوكيل ؟
بإختصار ، الهدنة المعلنة في سوريا ستبقى هشّة ، متقلقلة وغير ملزمة لمعظم الأطراف المتصارعين ، ولاسيما للتنظيمات المتعاونة مع تركيا والسعودية . هذا الواقع سيستمر طويلاً وينعكس سلباً على مفاوضات "الحل السياسي" التي يسعى مبعوث الامم المتحدة ستيفان دي مستورا الى إحيائها.
استمرارُ هذا الواقع المضطرب يمكن تفسيره بأسبابٍ ثلاثة:
اولاها ، واهمها ، استمرارُ حال العداء العميق والمتفاقم بين اطراف الحرب في سوريا وعليها، ولاسيما بين محور السعودية – تركيا من جهة ومحور سوريا – ايران - حزب الله ، من جهة اخرى. طالما العداء مستمر ، فلا سبيل الى وقف الأعمال العدائية قبل ايجاد حل او تسوية ، سياسية او عسكرية، لحال العداء.
ثانيها ، ترددُ ادارة اوباما وعدم وضوح سياستها بسبب قرب انتهاء ولاية الرئيس الديمقراطي واحتمال حلول رئيس جمهوري محله في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل ما يؤدي ، على الأرجح ، الى تعديلٍ في سياسة اميركا حيال الأزمة والأطراف المتصارعين في سوريا.
ثالثها ، ان سوريا ، مدعومةً من ايران ومحكومةً بوجوب تحرير اراضيها من تنظيمات الإرهاب واعادة توحيدها وفرض سيادتها عليها ، تجد ان ميزان القوى في الميدان يميل الى جهتها ويشجعها على اغتنام الفرصة لإستكمال موجبات حربها الدفاعية وتحقيق اهدافها.
الى ذلك ، ثمة سبب اضافي لإستمرار حال العداء وبالتالي الاعمال العدائية هو أن عاملاً مستجداً دخل في الصراع بين "اسرائيل" وقوى المقاومة العربية ، اللبنانية والفلسطينية، ادى الى اختلالِ معادلة الردع التي كانت قائمة . فقد تبيّن ان حزب الله يمتلك ما اسماه امينه العام السيد حسن نصرالله سلاحاً له مفعول قنبلة نووية. لذا فإن تفجير حاويات الامونياك الإسرائيلية في منطقة حيفا من شأنه ان يؤدي الى مقتل مئات الآف الإسرائيليين وان يلحق بالمدينة ومحيطها تدميراً هائلاً.
مع امتلاك حزب الله صواريخ موجّهة قادرة على اصابة حاويات الامونياك وإحداث تفجير له مفعول نووي ، وجدت القيادة العسكرية الإسرائيلية نفسها في حال إنكشاف امني نتيجةَ إختلال معادلة الردع لسببين:
· عدم موافقة البلديات في جميع انحاء "اسرائيل" على نقل حاويات الامونياك من منطقة حيفا الى محيطها وذلك تفادياً لمخاطره الشديدة.
· اعلان ايران عزمها على تقديم مساعدات مالية اضافية للشعب الفلسطيني وانتفاضته الثالثة ضد الإحتلال . هذا التدبير يعني ايضاً ، في مفهوم "اسرائيل" ، زيادة الدعم العسكري لحركتيّ "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، بما في ذلك تزويدهما مزيداً من الصواريخ الموجّهة او ، في الأقل ، تزويدهما الدراية الفنية والتجهيزات اللازمة لتمكينهما من تجميع او تصنيع صواريخ متطورة وبالغة الفعالية. ذلك يتيح لهما كما لحزب الله التعاون عسكرياً وميدانياً في حال نشوب حرب مع "اسرائيل" .
اذ تحاول "اسرائيل" جاهدةً مع الولايات المتحدة معالجة هذا الإختلال الطارىء على معادلة الردع لغير صالحها ، فإن احدى وسائل المعالجة ربما تكون اطالة الحرب في سوريا وعليها ، اي استمرار الاعمال العدائية ، بالتعاون الضمني وحتى العلني مع الولايات المتحدة وتركيا بغية استنزاف اطراف محور المقاومة ( اي سوريا وحليفيها حزب الله وايران ) عسكرياً واقتصادياً بقصد جعلهما في وضعٍ لا يسمح لهما بإستغلال حال الإختلال في معادلة الردع للنيل من "اسرائيل" بشكلٍ او بآخر .
هكذا يتبدّى ان صراعات الدول والتنظيمات في المنطقة مترابطة . فلا سبيل الى عزل احدها عن الآخر في معالجته (او زيادته تفاقماً) من دون ان تتأثر سائر الصراعات بين اطرافها الفاعلة. المطلوب ، اذاً، معالجة الصراعات جميعاً في وقتٍ تجد الدول الكبرى ، كما الصغرى ، نفسها في اوضاع سياسية وامنية واقتصادية لا تسمح لها بإتخاذ قرارات استراتيجية كبرى لمصلحة السلام والإستقرار .