نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 20/2/2016
"سي آي ايه" :
"داعش استخدم اسلحة كيماوية وقادر على انتاجها"
... ما العمل ؟
د. عصام نعمان
قالها جيمس كلابر ، منسق اجهزة الإستخبارات الاميركية ، امام احدى لجان الكونغرس الاميركي . اكّد بالحرف : "إن "داعش" استخدم مواد كيماوية سامة في سوريا والعراق بما في ذلك العمل المسبّب للقروح بكبريت الخردل".
قبله اكد الواقعة نفسها مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية C.I.A جون برينان بقوله: "داعش استخدم اسلحة كيماوية وهو قادر على انتاج كميات قليلة من الكلورين وغاز الخردل . لدينا عدد من الإشارات التي تدل على ان "داعش" استخدم ذخائر كيماوية في ميدان القتال" .
قال برينان اكثر من ذلك : "إن داعش" بإمكانه تصدير الأسلحة الى الغرب لتحقيق مكاسب مالية. لذلك من المهم قطع مختلف طرق النقل والتهريب التي يستخدمها".
لعل ما اكده اثنان من اساطين الإستقصاءات والإستخبارات في العالم هو ما حمل باراك اوباما على تعديل جدول اولويات ادارته في الحرب داخل سوريا وعليها ، فما عاد إسقاط بشار الأسد أولى الاولويات بل هزيمة داعش. هذا لا يعني ، بطبيعة الحال ، التخلي عن رغبة الإسقاط الدفينة التي تتشارك اطراف اقليمية عدّة في طرحها والعمل في سبيلها . انه يعني تقديم ما يعتبرونه الأهم على المهم في الأجندة المثقلة بالاولويات.
ما العمل ؟
رداً على سؤال حول "وجود امريكي على الارض" للبحث عن مخابىء ومختبرات لأسلحة كيماوية قال برينان : "إن الإستخبارات الاميركية تشارك بفعالية في الجهود الرامية الى تدمير التنظيم (داعش) ومعرفة ما لديه على الارض في سوريا والعراق قدر الإمكان" . حسناً فعل برينان بتقديمه تدمير "داعش" على استقصاءٍ قد يطول حول ما لديه على الأرض من مخابيء ومختبرات للأسلحة الكيماوية. لكن، كيف يكون التدمير؟ مدير الإستخبارات المركزية لم يوضح ذلك. ربما اراد القول إن الجواب الشافي يوجد لدى القيادة السياسية والقيادة العسكرية الاميركيتين . فماذا تقولان ؟
تقولان كثيراً وتفعلان قليلاً . تقولان إن طائرات "التحالف الدولي" قامت بآلاف الغارات على مواقع "داعش" في العراق وسوريا . لكن لا يبدو انها تركت اثراً سلبياً محسوساً في مجهوده الحربي بدليل ما كشفه بعض اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي في هذا المجال، وفي مقدّمهم السناتور ماكين. ليس كثيراً ، والحال هذه ، مواجهة الولايات المتحدة بأن المطلوب هو الإرتفاع الى مستوى الخطر الداعشي التدميري المحدق وذلك بإعتماد سياسة جديدة جدّية وجذرية اساسها اعتبار "داعش" خطراً عالمياً ماثلاً وفاعلاً ، وان مواجهته يجب ان تتم في إطار تعاون عالمي جاد ، وان أولى الخطوات الواجب اتخاذها هي تجفيف موارده المالية بمنعه من نقل مخزونه من النفط السوري والعراقي عبر تركيا لبيعه من خلال اسواقها وموانئيها ، كما إغلاق جميع الموانىء البحرية والجوية والمعابر البرية لمنعه من "استيراد" الرجال والعتاد عبرها. اخيراً وليس آخراً ، إدانة ومعاقبة كل الأفراد والحكومات والتنظيمات التي تتعاون معه في حربه ، بإسم الإسلام ، على العالم برمته، شعوباً واقليات وحكومات ومؤسسات.
الى ذلك ، يجب التوقف مليّاً امام قول رئيس الإستخبارات الاميركية جون بريان إن "داعش" قادر على انتاج اسلحة كيماوية وعلى تصديرها ، اذ من الممكن تدمير آلة داعش الحربية واقتلاعه من المواقع والمرافق والمناطق التي يحتلها في العراق وسوريا واليمن وليبيا ونيجيريا. لكن من غير الممكن سحق كل خلاياه النائمة على مدى الكرة الارضية ولا اعتقال جميع اعضائه وانصاره ومريديه الذين يأتمرون بأمره وينتحرون من أجل تحقيق أغراضه. ولعل اخطر هؤلاء افرادٌ منتشرون في شتى انحاء العالم ممن يمتلكون موهبةً ودراية فنية وارادة وتصميم تمكّنهم من صنع اسلحة كيماوية وبيولوجية . بقي ان نتصور ما يمكن ان يفعله هؤلاء ضد البشرية في ايِّ مكان ، بتوجيه من قياداتهم او بإلهام من عقولهم المريضة ، والأضرار المعنوية والمادية ذات القيمة الفلكية التي يمكن ان يتسبّبوا بها عالمياً .
ان خطراً كونياً على هذه الدرجة من الخطورة يتطلّب مقاربة امميه لمواجهته ، اقلّه ما هو آتٍ:
اولاً : برنامج سياسي وامني وثقافي متكامل لمواجهة الإرهاب (و"داعش") على مستوى الشعوب والحكومات ، يجري تكريسه في الأمم المتحدة ومباشرة تنفيذه بشفافية وجدّية تحت رقابة شعبية ودولية دائمة.
ثانياً : إقرار توصيف دولي لجريمة الإرهاب وتحديدٍ لعناصرها المعنوية والمادية والعقوبات المترتبة على اقترافها وإلزام الدول بإعتمادها في المحاكم الوطنية والدولية ذات الصلة والإختصاص.
ثالثاً: اقامة وكالة دولية في إطار الامم لمتحدة تُعنى ، على جميع المستويات، بالشؤون والتدابير المتعلقة بمواجهة الإرهاب كخطر عالمي وسبل مواجهته.
رابعاً: اقامة جهاز دولي للإستقصاء والإستخبارات على غرار جهاز الانتربول الدولي لرصد وتعقّب ومحاربة كل ما يتصل بـِ "داعش" وغيره من الإرهابيين افراداً وجماعات.
خامساً: تأسيس صندوق دولي لتأهيل ضحايا الإرهاب والتعويض عليهم وعلى ذويهم وايجاد الموارد المالية اللازمة لذلك .
هذا قليل من كثير يقتضي فعله لمواجهة تحدّي العصر.