نشرت بجريدة " القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 15/2/2016
هل هزيمة "داعش"
تُنهي مطالبة السعودية بإزاحة الأسد ؟
د. عصام نعمان
بدا لبضعة ايام ان اطراف الصراع في سوراقيا(سوريا والعراق) يتجّهون الى حافة صدام اكبر بكثير مما هو حاصل على الارض. من شأن الصدام الاكبر زجّ دول كبرى في حمأة القتال. الراغبون في تأجيج الصراع وتوسيع رقعته هم السعودية وتركيا وأطراف اقليمية اخرى تسعى الى الغرض نفسه شريطة مشاركة الولايات المتحدة بقوات برية وازنة . ذلك كله حمل رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف على التحذير من نشوب حرب عالمية.
موقف واشنطن ظلَّ ملتبساً الى ان انعقد مؤتمر وزراء دفاع الحلف الاطلسي (الناتو) في بروكسل. في ختامه قطع وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر الشك باليقين. قال: "إن ارسال قوات كبيرة للتدخل ليس ابداً نهجنا الإستراتيجي". إتضح ان ما تريده واشنطن هو توفير تسهيلات تدريب عسكري وتقني لـِ "بناء قدرات محلية" ، اضافةً الى "تأمين المناطق" المحررة من "داعش".
ما هي المناطق المحررة من"داعش" ؟ وكيف سيجري "تأمينها" ؟
لا اجوبة مباشرة من كارتر . ثمة اجوبة غير مباشرة بصيغة قرارت صدرت عن مؤتمر ميونيخ، اهمها وقف العمليات العدائية ، وايصال مساعدات انسانية فورية ، والتأكيد على استئناف محادثات جنيف. هكذا إلتقط الكبار ، كما الصغار ، انفاسهم متفادين صداماً أكبر .
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سارع الى القول إن تنفيذ وقف العمليات العدائية مهمة صعبة وانه يأمل بأن يتمكن الأطراف المعنيون من تحقيقها خلال اسبوع. هي صعبة لأنها لا تعني وقفاً فورياً لإطلاق النار ما يُضعف فعاليتها . ثم انها لا تشمل من التنظيمات الإرهابية إلاّ "داعش" و"النصرة" ، فهل "احرار الشام" و"الجيش الإسلامي" تنظيمات سياسية ام ارهابية ؟ هذا يستوجب التوافق على تحديد التنظيمات الإرهابية التي كان تعذّر حصرها بقائمة قبل مؤتمر جنيف-3 ، وليس ما يشير الى ان أطراف الصراع سيتوصلون بشأنها الى تسوية .
حتى لو حُصر تنفيذ وقف العمليات العدائية بـمناطق خارج سيطرة "داعش" و"النصرة" ، فإن جدلاً سوف ينشب حول المناطق التي تُعتبر تحت سيطرة هذين التنظيمين الإرهابيين او تحت سيطرة غيرهما . ذلك لأن ثمة تداخلاً في رقعة السيطرة بين التنظيمات المتحاربة.
رافق اعلان قرارات مؤتمر ميونيخ قيام "وحدات حماية الشعب الكردي" بتوسيع رقعة انتشارها ملامسةً محيط بلدة أعزاز على مقربة من الحدود مع تركيا بعدما كانت سيطرت على مطار منّغ في شمال غرب حلب . ذلك اثار قلق تركيا التي تخشى من إقامة كانتون كردي على طول حدودها مع سوريا من الحسكة في الشرق الى عفرين في الغرب ، فبادر جيشها الى قصف الوحدات الكردية في محيط أعزاز ومطار منّغ بالتزامن مع تحذير اطلقه رئيس الوزراء احمد داود اوغلو بأن بلاده ستتحرك عسكرياً عند الضرورة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري) . غير ان ناطقاً بإسم الإدارة الاميركية سارع الى مطالبة تركيا بوقف القصف ، خصوصاً بعدما تأكدت معلومات عن تحرك وحدات من الجيش السوري بإتجاه محافظة الرقة ، معقل "داعش" ومركز "خلافته" .
رغم هذه الملابسات والتعقيدات ، يمكن استخلاص تفاهمٍ اميركي – روسي ضمني على ضرورة تركيز الضغوط العسكرية على "داعش" و"النصرة" لتطهير المناطق التي يسيطران عليها غربيّ نهر الفرات ، بما في ذلك مناطق شمال حلب ومحافظة ادلب . لكن ثمة تبايناً بشأن السيطرة على مدينة حلب نفسها اذ ما زالت واشنطن تمانع في تحرير ثلثها المتبقي تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية . ذلك ان سيطرة الجيش السوري على كامل حلب من شأنه تقوية حكومة الرئيس بشار الأسد وتقويض المركز التفاوضي للمعارضة السورية في محادثات جنيف المقبلة .
ما المخرج ؟
يُستفاد من تدقيق تحليلات كبار الخبراء الإستراتيجيين في الصحف ومراكز الأبحاث الإسرائيلية والاوروبية والاميركية ان التنسيق الضمني الحاصل بين واشنطن وموسكو بشأن الصراع في سوراقيا وعليها يتجه نحو صفقة متكاملة تتضمن، افتراضاً ، النقاط الآتية:
· تكون لروسيا اليد العليا في سوريا عموماً.
· تكون للولايات المتحدة اليد العليا في العراق بإستثناء محافظاته الجنوبية التي تبقى منطقة نفوذ ايرانية.
· تسعى واشنطن الى اقامة اقليم حكم ذاتي للأكراد السوريين في شمال شرق البلاد فقط في اطار صيغة فدرالية لا تعارضها موسكو شريطة موافقة دمشق.
· تسعى واشنطن الى اقامة حكم ذاتي يضم محافظات العراق الغربية السنّية (نينوى وصلاح الدين والأنبار) وذلك في إطار صيغة فدرالية تضم اقليم كردستان ذي الحكم الذاتي في الشمال واقليم حكم ذاتي للمحافظات الشيعية في الجنوب.
· تبدو موسكو متحفظة بشأن الترتيبات التي تريدها واشنطن للعراق وذلك مراعاةً لحليفتها سوريا التي ترى في الاقليم السنّي اسفيناً جيوسياسياً وظيفته فصل سوريا عن العراق وبالتالي عن ايران ما يخدم الولايات المتحدة واسرائيل.
· تسعى واشنطن الى الإستعاضة عن مطلب السعودية إزاحة بشار الأسد بتحديد سلطته. ذلك يمكن تدبرّه بإقامة "حكومة وحدة وطنية" تكون عضويتها مناصفةً بين انصار الأسد ومعارضيه ، وبوضع دستور جديد للبلاد واجراء انتخابات ينجم عنها ، افتراضاً ، توازن في السلطة والنفوذ بين المكوّنات السياسية للبلد . روسيا لا تعارض فكرة حكومة مناصفة وطنية ، لكنها تؤيد الأسد في إصراره على تحرير مناطق شرق الفرات من "داعش" بلا قيد ولا شرط .
· تسعى واشنطن ، بالتعاون مع موسكو ، الى اقامة هدنة مديدة في سوريا يتوقف معها نزوح اللاجئين الى تركيا وبالتالي الى دول اوروبا ، على ان يواكب ذلك منحُ تركيا دعماً مالياً ضخماً لمواجهة اعباء المليوني لاجىء سوري الموجودين في اراضيها .
· تسعى واشنطن ، بالتفاهم مع الاردن واسرائيل ، الى سحب التنظيمات الإرهابية من منطقة الجولان السورية الواقعة تحت سيطرتها مقابل إنسحاب مقاتلي حزب الله وضباط الحرس الثوري الإيراني من المنطقة المجاورة.
ما يُنسب الى الولايات المتحدة من مخططات وسيناريوهات يبدو صحيحاً ، لكنه صعب التنفيذ إن لم يكن مستحيلاً. فروسيا ليست في وارد مجاراتها في معظم اغراضها ، ولا ايران بالتأكيد . الى ذلك ، فإن حكومة الأسد تتقوى بإطّراد مع نجاحات الجيش السوري في شمال البلاد وجنوبها. ثم يجب عدم الإستهانة بقدرات قوى المقاومة في سوراقيا ولبنان كما لدى الفلسطينيين في وطنهم المحتل وشتاتهم . كل هؤلاء بمقدورهم تعطيل مخططات واشنطن في المديين المتوسط والطويل.
هذا الإحتمال الراجح يجب ألاّ يوحي بأن الصراع يمكن ان ينتهي عند هذا الحد. ذلك ان المتضررين من فشل مخططات تطويع سوريا ولبنان يمكن ان يلجأوا الى ما يظنون انه ضربة شديدة قاصمة وحاسمة : إغتيال بشار الاسد لتفكيك الجيش السوري وتسريع تقسيم البلاد.
... غير ان ذلك ليس بخافٍ عن القيادة المستهدفَة كما عن سائر المستهدفين.