نشرت بجريدة"البناء" والقدس العربي"
تاريخ 8/2/2016
العودة الى الميدان ... بإنتظار خليفة اوباما ؟
د. عصام نعمان
علّق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا محادثات مؤتمر جنيف3- الى 25 الشهر الجاري. كان بإمكانه ان يعلن التعليق قبل ذلك بأسبوع ، اذ كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد خاطب ، بعد اجتماعه الى وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو، المعارضينَ من اعضاء "وفد الرياض" في جنيف قائلاً : " يمكنكم المغادرة في ايّ وقت اذا لم تنفَّذ مطالبكم" . ابرز المطالب، بل الشروط ، ان " تبدأ المفاوضات بصيغة مؤتمر جنيف-1 التي سيكون لها سلطة كاملة بعيدة عن بشار الأسد ودستور جديد وسوريا جديدة لا يكون لبشار الاسد دور يلعبه".
ما كان في وسع بشار الجعفري ، رئيس الوفد السوري، الموافقة على شروط كهذه . وما كان بإمكان دي ميستورا ان يفاتحه بذلك. قيل إن وفد الرياض تريث في استجابة طلب الجبير بالمغادرة تفادياً لإتهام المعارضين السوريين بأنهم يتقصّدون إجهاض المفاوضات قبل ان تبدأ.
المغادرة ، وبالتالي الإجهاض، لم يتأخرا طويلاً . فما ان تأكّد لتركيا ان الجيش السوري وحلفاءه تمكّنوا من فكّ الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء وقطعوا ، او كادوا ، خط امداد التنظيمات الإرهابية من تركيا حتى اعلنت الرياض استعدادها للمشاركة في عملية برية في سوريا اذا ما قرر التحالف الدولي بقيادة واشنطن القيام بهذا الأمر.
الواقع ان الرياض كانت لوّحت ، عشية بدء محادثات "جنيف-3، بأرجحية فشلها . ألم يصرح عادل الجبير ان على بشار الأسد ، خلال المفاوضات ، ان يتنحّى بعملية سياسية او ان يُكرَه على ذلك بعملية عسكرية ؟
المسؤولون الاتراك كانوا دائماً في مناخ التشكيك بمحادثات جنيف ، بل هم اسهموا في ترجيح فشلها . ألم يقذف الجيش التركي بقنابل مدافعه الشمال السوري (منطقة جرابلس) قبل ان يصرح رجب طيب اردوغان خلال زيارته للبيرو أن " لا طائل من محادثات جنيف بينما تواصل القوات السورية وروسيا هجماتها (...) ما جدوى محادثات السلام هذه" ؟
موسكو توجّست دائماً من مواقف انقره . الناطق بإسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال ايغور كوناشينكوف اعلن : "لدينا اسباب جدّية للإشتباه بأن تركيا في مرحلة إعداد مكّثفة لعملية عسكرية في سوريا (...) واذا كان هناك في انقرة من يعتقد ان منع تحليق طائرة استطلاع روسية سيسمح بإخفاء اي شيء ، فهو يفتقد المهنية".
هل يؤدي اعلان الرياض عن استعدادها للمشاركة في عملية بريّة داخل سوريا ، كما تصرفات تركيا العسكرية في الشمال السوري ، الى دخول قوات سعودية وتركية معمعة الحرب في سوريا وعليها ؟
الجواب جاء من موسكو وواشنطن في وقت واحد تقريباً . موسكو تساءلت بتهكّم : وهل دمّرت السعودية جميع اعدائها في اليمن ليكون في مقدورها إرسال جيشها الى سوريا ؟ وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف صرّح ، بعد محادثة تلفونية مع نظيره الاميركي جون كيري : "اسفنا لتعليق المحادثات في جنيف واتفقنا على بذل الجهود اللازمة لتكون فترة تعليقها اقصر ما يمكن" . كيري ايّد ما قاله لافروف ضمناً مؤكداً على الحاجة لمناقشة "كيفية تنفيذ وقف اطلاق النار وكيفية إيصال المساعدات (الإنسانية) للطرفين."
هل تعي كلٌ من الرياض وانقرة الإتفاق الضمني القائم بين موسكو وواشنطن على إحتواء الحرب ، بل الحروب ، الناشطة في سوريا ؟ وماذا تراهما فاعلاتين ، منفردتين او مجتمعتين؟
قد يكون اردوغان ادرك اخيراً ان مقاربته للحدث السوري اخفقت ، وان عليه معالجة تداعياتها بعدما انعكست سلباً على الداخل التركي . فقد تزايدت عمليات حزب العمال الكردستاني في ديار بكر بجنوب شرق البلاد ، كما توسع نشاط "وحدات حماية الشعب الكردي" المتحالفة ضمناً مع الجيش السوري في شمال شرق سوريا (الحسكة) وفي شمالها الغربي (منطقة عفرين) الامر الذي عزز مخاوف انقرة من احتمال مدّ سيطرة "الكانتون" الكردي السوري على كامل منطقة الحدود السورية-الكردية من الشرق الى الغرب . كما تزايدت العمليات الإرهابية في انقرة واسطنبول سواء من طرف "داعش" او غيره من التنظيمات المعادية لحكومة اردوغان . كل ذلك ربما يستدعي مواجهتها داخل سوريا لتفادي توسعها داخل تركيا نفسها .
لعل الرياض ادركت ايضاً اخفاق مقاربتها للحدث السوري وأن عليها معالجة تداعياتها ، خصوصاً بعد اتضاح اتفاق واشنطن وموسكو على إعتبار الإرهاب ، متمثلاً بـ "داعش" "وجبهة النصرة" ، هو الهدف الرئيس الجدير بالمواجهة ، وان ذلك يستدعي إرجاء ، إن لم يكن إسقاط ، مطالبتها بتنحية الرئيس بشار الاسد . غير ان النجاحات السريعة التي حققها الجيش السوري في شمال البلاد وجنوبها قد تستوجب ، في تقدير الرياض ، تحركاً جدّياً لإحتوائها قبل ان تتطور على نحوٍ يُلحق هزيمة ميدانية وبالتالي سياسية بالمعارضة السورية المتحالفة مع السعودية وتركيا .
في ضوء هذه الواقعات والإعتبارات فإن من المرجح ان يتمثل رد الرياض وانقرة على التطورات الميدانية الاخيرة في سورية بتنسيق متطلبات سياسة مشتركة قوامها العودة الى ميدان الحرب داخل سوريا بتعزيز التنظيمات المقاتلة المتحالفة معهما بالمال والرجال والسلاح والعتاد لمنع الجيش السوري من متابعة انتصاراته من جهة واطالة امد الحرب ، من جهة اخرى ، الى حين الفراغ من الإنتخابات الاميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل . ذلك ان لدى المسؤولين في العاصمتين السعودية والتركية قناعة بأن الإنتخابات الاميركية ستحمل الجمهوريين ، رئيساً وكونغرساً ، الى سدة الحكم والتأثير ما يؤدي ، تالياً ، الى تغيير سياسة واشنطن حيال ما جرى ويجري في سوريا .
الرهان ، اذاً ، على اطالة امد الحرب في سوريا بإنتظار من سيكون خليفة باراك اوباما وحزبه في البيت الابيض وتحت قبة الكابيتول .