نشرت بجريدة"الخليج" و"البناء"
تاريخ 6/2/2016
اختبروا اوزانكم الشعبية بالنسبية
في الإنتخابات البلدية...
د. عصام نعمان
قرر مجلس الوزراء تأمين الإعتمادات المالية واتخاذ التدابير اللازمة لإجراء الإنتخابات البلدية (والإنتخابات النيابية في دائرة جزين الجنوبية لملء مقعد واحد شاغر). الإنتخابات البلدية ستجري – اذا لم تعطّلها أحداث امنية طارئة - خلال شهر ايار/مايو القادم. هي اول انتخابات سيشهدها لبنان منذ العام 2009 ، وهي ستكشف واقع الإتجاهات التي تعتمل في الرأي العام ، كما تتحدّد فيها الاوزان الشعبية لمختلف الاحزاب والتكتلات السياسية التي تحتل واجهة المشهد السياسي.
لماذا لم يعمد اركان الشبكة الحاكمة الى التمديد للمجالس البلدية مثلما مددوا للمجلس النيابي ؟
لأن لا دور للمجالس البلدية في ممارسة السلطة السياسية التنفيذية ، ولأن التمديد لها سيدين بالتأكيد الشبكة الحاكمة بجرم الإستبداد بالسلطة من خلال تمديد ولاية اصحابها ، رؤساء ونواباً ووزراء ، الى ابد الآبدين.
اما وان الإنتخابات البلدية ستجري على الأرجح ، فلماذا لا نغتنمها جميعاً فرصةً لإختبار نظام النسبية (التمثيل النسبي) المراد (؟) اعتماده في الإنتخابات النيابية القادمة ، كما لإختبار الأوزان الشعبية لأركان النظام والدائرين في فلكهم ، وكذلك لأطراف الخط الوطني الديمقراطي التقدمي المستقل عن تكتليّ 8 و 14 آذار اللذين يمسكان بناصية البلد ؟
إن اعتماد النسبية في الإنتخابات البلدية سيكون عبارة عن استطلاع رأي بعيّنة كبيرة ذات صدقيّة ويُعطي المعنيين جميعاً ، مسؤولين ومواطنين ، فكرةً واضحة عن التأييد او التنديد اللذين يحملهما لهم ابناء الشعب، كما يشكّل اختباراً عملياً لنظام النسبية عند وضعه موضع التنفيذ.
ان قادة التكتلات السياسية الكبرى احوج من غيرهم لمعرفة حقيقة اوضاعهم الشعبية . ذلك ان احداثاُ وتحديات وتجارب متعددة ومهمة جرت منذ آخر انتخابات في العام 2009 وتركت آثاراً فارقة في اتجاهات الناخبين وبالتالي في خياراتهم . ليس ادل على ذلك من استطلاع اجراه مدير "مركز بيروت للأبحاث" عبدو سعد (صحيفة "الاخبار" 2016/2/2) واستطلاع آخر اجرته شركة "ايبسوس" (صحيفة "النهار" 2016/2/3).
يُستنتج من هذين الإستطلاعين كما من غيرهما الواقعات الآتية:
· بات من المرجّح ان يخوض "التيار الوطني الحر" (ميشال عون) وحزب القوات اللبنانية (سمير جعجع) الإنتخابت النيابية المقبلة متحالفين ، وهو تطور سيقلب التحالفات السياسية رأساً على عقب.
· إن غياب قانون انتخابي عادل لن يمكّن الثنائية المسيحية المستجدة (تحالف عون وجعجع) من الفوز بأكثر من 35 مقعداً ، منها 27 مقعداً يفوز بها المسيحيون بقوتهم الذاتية ، ويفوزون بالمقاعد الاخرى نتيجةَ التعاون مع قوى وطنية واسلامية حليفة.
· يبدو حزب المستقبل (سعد الحريري) وتجمع "لبنان اولاً" الذي يقوده مهدَّداً بخسارة تصل الى 17 مقعداً من مجموع عدد نواب كتلته النيابية الإئتلافية التي تضمّ حالياً 39 نائباً.
· حصل التحالف بين عون وجعجع على تأييد ثلثيّ عيّنة "ايبسوس" (1062 مواطناً) من غالبية المسيحيين (85 في المئة) وعارضه ثلث السنّة و 28 في المئة من الدروز.
· إن غالبية العيّنة لا ترى نهاية لـِ تكتليّ 8 و 14 آذار رغم قيام التحالف بين عون وجعجع.
اذ يتضح ان حزب المستقبل (سعد الحريري) وحلفاءه سيكونون اكبر الخاسرين اذا ما جرى اعتماد قانون الإنتخابات للعام 1960 الذي جرت بموجبه انتخابات العام 2009 ، فإن الإستنتاج المنطقي المستمد من هذه الواقعة المرجَّحَة هي نشؤ مصلحة واضحة لحزب المستقبل في اعتماد نظام النسبية لأنه يمكّنه ، في الاقل ، من الإفادة من قوته الذاتية بين الناخبين السنّة وتفادي خسارتهم تحت وطأة التحالف المستجد بين عون وجعجع من جهة وارجحية تحالف حزب الله معهما في الإنتخابات المقبلة من جهة اخرى.
الى ذلك ، فإن حزب الكتائب سيكون الخاسر الثاني ، بعد حزب المستقبل، جرّاء قيام تحالف عون جعجع اذ من المرجّح ان يخسر مقعد رئيسه سامي الجميل في دائرة المتن الشمالي ، ومقعد نائبه سامر سعاده في دائرة طرابلس، ومقعد حليفه نديم الجميل في دائرة الاشرفية ، ومقعد نائبه ايلي ماروني في دائرة زحلة ، كما من المرجّح ان يخسر ايضاً مقعد نائبه فادي الهبر في دائرة عاليه الامر الذي ينهي التمثيل النيابي لحزب الكتائب في البرلمان اذا ما جرى اعتماد قانون الإنتخابات للعام 1960 مرة اخرى.
كل هذه الواقعات والشواهد اللافتة من شأنها ان تحمل حزب المستقبل كما حزب الكتائب على اعادة النظر بموقفهما السلبي من مطلب غالبية اللبنانيين وهو اعتماد التمثيل النسبي في الإنتخابات القادمة ، وستدفعهما ايضاً، كما غيرهما من الأحزاب والتكتلات السياسية ، الى القبول بمطلب اعتماد النسبية في الإنتخابات البلدية المقبلة كونها تمكّن الجميع من اختبار اوزانهم الشعبية بعد كل ما طرأ على المشهد السياسي من تطورات وتقلّبات ، فضلاً عن اعطاء الجميع فكرة عمّا سيكون عليه وضعهم السياسي والإنتخابي اذا ما جرى اعتماد النسبية في الإنتخابات النيابية.
هل يتعقّل ويتجاوب المسؤولون الذين تعودوا تغليب الأغراض والمصالح الضيقة على المنطق الوطني والصالح العام ؟