نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 25/1/2016
فلسطين بين اسرائيل والسعودية وايران
اين... والى اين ؟
د. عصام نعمان
لافتٌ حديث بنيامين نتنياهو في منتدى دافوس بل خطيرٌ في بعض ما انطوى عليه من مواقف ودلالات. يمكن تلخيص الحديث في ثماني كلمات: بعض العرب حلفاء ، والخطر الاكبر من ايران و"داعش".
هل ما قاله نتنياهو هو واقع الحال ام مجرد محاولة لرسم خريطة رغبوية جيوسياسية لما يحلم به او يريد ان تكون عليه دول الاقليم في قابل الايام ، وما دافعه الى قول ذلك الآن ؟
اجاب المسؤول الاسرائيلي الاول بنفسه عن هذا السؤال بقوله : "إن التغيير الأشد دراماتيكية في الآونة الاخيرة هو التغيير في العلاقات بيننا وبين جيراننا العرب ، الهادف لخلق شرق اوسط من دون إسلام متطرف".
من الواضح ان نتنياهو يتحدث عن تغييرٍ في العلاقات لم يصل بعد الى مستوى التحالف مع "بعض العرب" ، وإن كان يتجه هذه الوجهة ، او لعله بلغ هذا المستوى وانه تقصّد تظهيره من على اعلى منبر اممي غير رسمي . من الواضح ايضاً ان "الجيران العرب" الذين أنجز معهم "التغيير الأشد دراماتيكية في الآونة الاخيرة" لا ينفون ولا يؤكدون ما تفوّه به رئيس حكومة اسرائيل. غير ان اصدقاء لـِ "الجيران العرب" الذين اشار اليهم نتنياهو فسروا كلامه بأنه محاولة لإستغلال منبر دافوس ليقول للقادة الاوروبيين الذين تقاطع حكوماتهم منتوجات المستعمرات (المستوطنات) الإسرائيلية في الضفة الغربية : لا تكونوا ملكيين اكثر من ملوك العرب الذين اصبحوا او كادوا ان يصبحوا حلفاءنا !
خصوم "الجيران العرب" المحليون والإقليميون يرفضون هذا التخريج المغرض لكلام نتنياهو ويدعون الى قراءة الاحداث بموضوعية تتبدى معها الوقائع والشواهد الآتية :
· كافح المسؤولون الإسرائيليون بلا هوادة منذ سنوات لتفشيل المفاوضات بين مجموعة دول 1+5 بدعوى ان البرنامج النووي الإيراني افلح في إنتاج سلاح نووي . كما عارضوا الإتفاق النووي الذي تمّ التوصل اليه أخيراً كونه يجعل من ايران دولة نووية ، فتشكّل ، تالياً ، خطراً على اسرائيل وعلى جيرانها العرب. الملاحَظ ان السعودية تتخذ الموقف نفسه تقريباً من حيث اعتبارها ايران خطراً على دول الخليج جميعاً.
· حاولت اسرائيل منذ سنوات ، وما زالت ، إيهام العرب بأن الخطر الاول المحدق بهم هو ايران ومطامعها وليس الاحتلال الصهيوني لفلسطين الامر الذي أسهم في تراجع مركزية قضيتها في حياة العرب السياسية. وليس من شك في ان إنشغال بعض دول العرب بالصراع مع ايران أسهم في تكريس هذا التراجع .
· صنّفت اسرائيل ايران وحلفاءها ، ولاسيما حزب الله ، اطرافاً ارهابية تستوجب المواجهة . الملاحَظ ان السعودية ترى الامر نفسه ولا تخفي دعمها السياسي والمادي لتنظيمات متعددة الالوان تقاتل الحكومة السورية وحلفاءها ، وفي مقدمهم حزب الله .
· دعا نتنياهو في حديثه الى "تفكيك شبكات الإرهاب الإيرانية" الامر الذي يعني ، عملياً ، تلاقي اسرائيل مع الدول العربية والاقليمية التي تقاتل حكومات سوريا والعراق واليمن وتنظيمات حليفة لها تعتبرها إرهابية ما يجعل تلك الدول منخرطة في تحالف غير معلن ضد من تعتبره اطرافاً إرهابية ، ولاسيما سوريا وتنظيمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية المتحالفة معها.
قد يقول قائل إن الوقائع والشواهد سابقة الذكر لا تؤكد قيام تحالف بين اسرائيل وبعض دول العرب انما مجرد تلاقٍ سياسي غير مباشر إزاء بعض الدول والاطراف وسياساتهم الاقليمية ، وان ذلك لا يكتسب بالضـرورة صفة دائمة.
حتى لو اعتبرنا الامر كذلك فإن ثمة مفاعيل وتداعيات لهذا الموقف يمكن ايجازها بالآتي :
· التأثير سلباً على المساعي التي تقوم بها الولايات المتحدة وروسيا من اجل جمع الحكومة السورية ومعارضيها من غير الإرهابيين في مؤتمر جنيف-3 للتفاوض في اطار قرار مجلس الامن 2254 بغية التوصل الى حل سياسي للصراع الدامي والمدمر الذي يعصف بالبلاد منذ نحو 5 سنوات . غير ان توصيف السعودية لحكومة دمشق وحلفائها بأنهم قوى ارهابية ودعم الاطراف التي تحاربها من شأنه اطالة امد الحرب وتعطيل المساعي الرامية لمباشرة المفاوضات في جنيف .
· كذلك يؤدي توصيف ايران بأنها "الخطر الاكبر" في المنطقة الى استمرار دعم الاطراف المتحالفة مع السعودية في حرب اليمن ، كما في سوريا والعراق ، وبالتالي اطالة امد الحرب الدائرة هناك .
· إن مجرد قيام تلاقٍ سياسي بين اسرائيل و"بعض العرب" كافٍ بحد ذاته لتشجيع الكيان الصهيوني على الإمعان في سياسته الإستيطانية التوسعية من جهة وتقويض سياسة المقاطعة الاوروبية لمنتوجات المستعمرات الإسرائيلية من جهة اخرى .
لا يكفي ، اذاً ، ان تنفي الدول العربية التي يعتبرها نتنياهو حليفةً قيامَ تحالفٍ بينها وبين الكيان الصهيوني بل يقتضي ان تبادر الدول العربية جميعاً الى إعادة تقويم الوضع الإقليمي وعلاقات القوى المستجدة فيه ، ولاسيما بعد إقرار الإتفاق النووي ، ودخول روسيا لاعباً نشيطاً ضد الحرب في سوريا وعليها، وتأثير المتغيّرات الحاصلة على قضية فلسطين وسائر قضايا العرب الاساسية وفي مقدمها مواجهة الإرهاب وإخراج الإسلام من معمعة استخدامه وسيلةً لتحقيق اغراض سياسية .
في ضوء ذلك كله ، ألا يحق للفلسطينيين ان يسألوا دول العرب التي ترى ، كما إسرائيل ، في ايران "الخطر الاكبر" ، وتلك التي ترى في "داعش" الخطر الداهم ، اين فلسطين في هذه المعمعة والى اين قضيتها التي كانت في يومٍ من الايام قضية العرب المركزية ؟