نشرت بجريدة"الخليج" و"البناء"
تاريخ 23/1/2016
قانون الإنتخابات
يعزز تحالف عون – جعجع ام يقوّضه ؟
د. عصام نعمان
لم يكن مفاجأة لأحد تحالفٌ ميشال عون مع سمير جعجع وقيام الثاني بترشيح الاول لرئاسة الجمهورية. ذلك ان الإتصالات ومساعي تدوير الزوايا بين القطبين المسيحيين كانت ناشطة على قدمٍ وساق منذ اكثر من سنة . لكن المفاجأة المنتظرة ستقع بعدما يُنتخب العماد عون او يتعذّر انتخابه ويصل القطبان الى ساعة تقرير الخطوة التالية الحاسمة لجهة قانون الإنتخاب : هل يبقى جعجع متفقاً مع عون ، بعد انتخابه رئيساً ، على إقرار قانونٍ للإنتخابات على اساس التمثيل النسبي ؟ واذا تعذر انتخاب عون ، هل يجاري جعجع العماد في خطوة محتملة للنزول الى الشارع مع سائر القوى البرلمانية والشعبية من اجل فرضه على سائر اهل النظام خارج الأطر "الدستورية" التقليدية؟
للعماد عون مزايا متعددة لعل ابرزها مجاهرته دائماً بضرورة التغيير ، تغيير النظام الطوائفي الفاسد وصولاً الى تجديد القيادات السياسية . في هذا السياق ، استجاب عون دعوة القوى الوطنية والإجتماعية الحيّة الى إقرار قانونٍ للإنتخابات على اساس النسبية. بل ان العماد لم يكتم استعداده ، خلال اجتماعٍ قبل شهرين مع وفد من ممثلي تلك القوى ، للنزول الى الشارع مع سائر هيئات الحراك الشعبي من اجل الضغط على اهل النظام لحملهم على إقرار قانون الإنتخابات المنشود بغية إجرائها وفق احكامه ، على ان يقوم البرلمان الجديد بإنتخاب رئيس الجمهورية. وعندما طالبتَه بأن يُقدِم وحلفاؤه ، في حال امتناع أهل النظام عن إقرار قانون الإنتخابات المطلوب، على عقد مؤتمر وطني جامع يتولى وضع نظام للإنتخابات على اساس النسبية واجرائها وفق احكامه بإدارة لجنة تنفيذية يعيّنها لهذه الغاية ، ابدى العماد موافقةً مبدئية على اقتراحي ، لكنه دعا الى التركيز ، اولاً ، على المرحلة الاولى من التحرك الشعبي المقترح لأنها كفيلة ، في تقديره ، بحمل اهل النظام على الإستجابة لمطلب إقرار القانون المنشود.
لا شك في ان التحالف الذي أُعلن بين عون وجعجع في 18 الشهر الجاري وسّع قاعدة التأييد الشعبي للعماد كمرشح جدّي لرئاسة الجمهورية ، لكنه لم يؤمّن له، بعد ، الاكثرية اللازمة في مجلس النواب لإنتخابه . ارى ان تأمين الاكثرية المطلوبة صعب للغاية قبل جلسة البرلمان المحددة في 2016/2/8 لكنها ليست مستحيلة. الأرجح ان السعي المحموم لتأمينها سيطول ، لاسيما اذا ما إرتأت السعودية عدم تظهير موقفها لحلفائها اللبنانيين قبل توصّل الولايات المتحدة وروسيا الى صيغة تسوية لتمثيل اطراف المعارضة السورية، المتعددة والمتنازعة، في مؤتمرجنيف -3 قبل اجتماعه الاول بتاريخ 25 الشهر الجاري او ، ربما ، بعد انتهاء اعماله .
تقديري ان الضوء الأخضر السعودي لإنتخاب عون سيطول انتظاره. حتى لو جرى انتخاب عون بعد شهر او شهرين ، فإن اختلافه مع جعجع (وقوى سياسية اخرى تقليدية) حول قضية التمثيل النسبي سيبقى احتمالاً قوياً وله تداعياته. ذلك كله سيضع عون المرشح (كما عون الرئيس) امام سؤال مفتاحي: ما العمل لتحقيق مطلبه ووعده بإعتماد قانونٍ للإنتخابات على اساس النسبية بما هو المدخل والوسيلة لمباشرة التغيير المرتجى والموعود ، وهل ينسى عون ان حزبه اجرى انتخابات داخلية ناجحة على اساس النسبية شملت معظم مناطق لبنان ، وانها جديرة بإتخاذها قدوةً في هذا المجال ؟
في موازاة هذا السؤال ، وربما قبله ، ينطرح سؤال آخر بالغ الجدّية: هل يبقى عون المرشح ، وقد اصبح اقوى بتحالفه مع جعجع ، مستعداً لتنفيذ خيار النزول الى الشارع مع اطراف الحراك الشعبي والقوى الوطنية والإجتماعية الحيّة لفرض مطلب التمثيل النسبي على اهل النظام ؟ ثم ، هل يجاري جعجع حليفه العماد في سلوك هذا المسلك الشعبي ام يبقى بمنأى عنه او ، ربما ، معارضاً له ؟
القوى التقليدية المتشاركة على مرّ التاريخ في تقاسم كعكة السلطة في النظام الطوائفي الفاسد لا يهمها البتة تقديم اجوبة عن هذه الأسئلة لأن اهتمامها منصبّ ، بطبيعة الحال ، على مسألة احتفاظها بالسلطة من خلال إبقائها النظام بمنأى عن اي تجديد نوعي . غير ان عون معنيٌّ جداً بالإجابة عن هذه الأسئلة كونه معنيّاً بالدور الذي يريده لنفسه كما بما سيقوله عنه التاريخ.
القـوى الوطنية والإجتماعية الحية ، وهي فريـق ثالث مستقل عن فريقيّ 8 و14 آذار وملتزم نهج المقاومة وخيار الدولة المدنية الديمقراطية ، معنيّ بأجوبة عون عن الاسئلة سالفة الذكر اذ في ضوئها سيقرر المثابرة على تأييده بما هو داعية تغيير وتجديد من خلال نظام التمثيل النسبي ام سيضطر الى وقف دعمه له والرهان عليه من دون مناوأته بالضرورة.
الاسئلة المطروحة مهمة ومحرجة في آن كون الاجوبة عنها ستقرر سلوكية القوى السياسية المتصارعة في لبنان وما اذا كان قادتها سيضعون عقولهم وارجلهم على مسارٍ الخروج من ازمة مزمنة شديدة التعقيد والقسوة ، ام انهم سيثايرون على إنتاج المزيد من الشيء نفسه بلا نهاية منظورة .
لا شك في ان للقوى الخارجية المتصارعة في المنطقة من جهة ، ومن جهة اخرى للصراع في سوريا وعليها تأثيراً في بلورة الإجابة عن الأسئلة المطروحة . ومع ذلك فإن للبنانيين ، قياديين ومواطنين ، دوراً وازناً في تسوية الأزمة او الإمعان في تعقيدها ، ذلك ان القوى الخارجية منشغلة بنفسها وبصراعاتها وغير قادرة، تالياً، على ممارسة تدخلات مؤثرة كما في الماضي الامر الذي يوّفر للبنانيين ، ولاسيما للوطنيين المستنيرين وذوي الإرادات الطيبة ، فرصةً تاريخية نادرة كي يصنعوا خيارهم وقرارهم ومصيرهم بأنفسهم ... فهل يتعقلون ويتجرأون ؟