نشرت بجريدتي "الخليج" و "البناء"
تاريخ 9/1/2016
الضغط لتسوية ازمتيّ سوريا واليمن
اجدى من التوسط بين السعودية وايران
د. عصام نعمان
ما ان اندلعت الأزمة بين السعودية وايران حتى تبرعت دول عدّة بالتوسط بينهما لإنهائها. لعروض الوساطة دافع اساس : إقتناع شبه عمومي في مجتمع الدول بأن الأزمة مضرّة بالجميع . ليس ادل على ذلك من ان دولاً حليفة لأحد الطرفين او على خصومة معه انتقدت كليهما ودعت الى ضبط المشاعر والتوترات تمهيداً لإنهاء الأزمة.
الى هذه الظاهرة ، ثمة ظاهرة اخرى اكثر ايجابية . فالمبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دو ميستورا قال بعد لقائه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وممثلي المعارضة السورية في الرياض : " ثمة عزم واضح من الجانب السعودي على ألاّ يكون للتوترات الإقليمية الحالية اي تأثير سلبي على القوة الدافعة لعملية جنيف وعلى استمرار العملية السياسية التي تنوي الامم المتحدة ان تبدأها في جنيف قريباً مع مجموعة الإتصال الدولية في شأن سوريا".
دو ميستورا لم يصف نتيجةَ اجتماعه مع ممثلي المعارضة السورية. اكتفى بالتحذير بأنه "لا يمكننا ان نتحمل نتيجة خسارة هذه القوة الدافعة على رغم ما يحصل في المنطقة".
ما القوة الدافعة ؟
يبدو انها إرادة على مستوى عالٍ لدى دول كبرى لتسوية ازمتيّ سوريا واليمن قوامها قراران صدرا عن مجلس الامن الدولي يتعلّقان بكلٍ منهما : خطة للحل في سوريا وفق ما جرى الاتفاق عليه في مؤتمريّ فيينا وجنيف ، وخطة اخرى للتسوية في اليمن وفق ما جرى الاتفاق عليه في الكواليس بين الدول المعنية بالازمة . القراران يدعوان الامم المتحدة الى رعاية مفاوضات بين الأطراف المتحاربة بإشراف مبعوث اممي خاص لكلٍ من البلدين.
ما كانت الدول الكبرى تتوافق على تسوية الأزمتين السورية واليمنية برعاية الأمم المتحدة لولا وجود دافع ضاغط لذلك . الدافع هو تضرر مجموعة واسعة من الدول من خطر الإرهاب ومفاعيله، لاسيما من تنظيمه الاكبر والأفعل المتمثل في "الدولة الإسلامية – داعش".
اقتناع الدول المتضررة ، كبيرها وصغيرها ، بأن الإرهاب بات أشد خطراً على وجودها ومصالحها من اي خطر آخر ، محلي او اقليمي تتذرع به هذه الدولة او تلك ، دفعها الى حسم خلافاتها والتباينات بين حلفائها بإتجاه تدبير يفضي ، عاجلاً او آجلاً ، الى استئصال الإرهاب او احتوائه في الأقل.
اذا كان هذا هو واقع الحال ، دولياً واقليمياً ، فهل التوسّط بين السعودية وايران في وقت يشكو كلاهما من خطر الإرهاب على وجودهما ومصالحهما ، أولى وأجدى من إنجاح المفاوضات المقررة بين اطراف الأزمة في كلٍ من سوريا واليمن ؟
قد يقول قائل إن السعودية وايران يقفان وراء اطراف الأزمة والحرب في سوريا واليمن ، وان التوفيق بينهما يساعد على تسريع المفاوضات وانجاحها بين اطرافها المعنية . الواقع ان السعودية وايران ليستا وحدهما من يقف ، بشكل او بآخر ، وراء اطراف الأزمة والحرب في سوريا واليمن اذ ثمة دول كبرى تلعب ادواراً بالغة الفعالية فيهما. هذه الدول تحاورت وتفاهمت على ان تسوية هاتين الأزمتين يوّفر عليهما وعلى حلفائهما المحليين مخاطر واضراراً جمّة ، فكان ان توافقت على مبدأ تسوية الأزمتين سياسياً وان يتمّ ذلك عبر الامم المتحدة.
اذا كان الامر كذلك ، فهل من جدوى لتتوسّط دولة كبرى او اكثر معنية بالأزمتين بين السعودية وايران طالما ان دولاً كبرى ومتوسطة وصغرى منخرطة في مسألة تسوية الأزمتين سياسياً عبر الأمم المتحدة وتستطيع ، تالياً ، ان تمارس جهوداً وضغوطاً على جميع الأطراف المتنازعة والمتحاربة لتسريع الوصول الى تسوية مقبولة منها ؟
هذه الحقيقة يدركها قادة الدول التي عرضت وساطتها كما يعيها قادة السعودية وايران ، فكان ان تصرّف الجميع حيال مسألة الوساطة ببالغ الرصانة الامر الذي يشير الى ان عروض الوساطة لا تعدو كونها ، بالدرجة الاولى ، تعبيرات عن لياقة ولباقة ديبلوماسيتين لتنفيس التوتر بين الرياض وطهران .
الدليل على صوابية هذا التفسير لمسألة الوساطة تصريحُ دو ميستورا الاخير وتجاوب عادل الجبير معه بقوله إن التوترات الأخيرة التي اثّرت على المنطقة سلباً لن تؤثر على ما جرى الاتفاق عليه في فيينا او على مسار الحل السياسي الذي تعمل الامم المتحدة بجانب مجموعة الدعم الدولية على تحقيقه في جنيف قريباً . فقد بات واضحاً ان واشنطن ، التي انتقدت الإفتئات على حقوق الإنسان في السعودية ، وإن لم تندد بإعدام الشيخ نمر باقر النمر، قاربت الرياض تكراراً واشارت عليها بالتجاوب مع مهمة دو ميستورا . كما ان روسيا التي لم يرقْ لها الهجوم على السفارة السعودية في طهران اشارت على ايران بعدم تصعيد التوتر مع السعودية لإبقاء مهمة دو ميستورا حيّة ، فاستجابت طهران بلا إبطاء .
اياً مَن كان المسؤول عن اندلاع الحروب في سوريا والعراق واليمن او تأجيجها، فقد بات واضحاً ان تنظيمات الإرهاب والعنف الأعمى ، سواء انطلقت من دوافع ذاتية او استجابةً لتعليمات مشغّليها ، ألحقت بدول المنطقة ، وحتى بمشغّليها ، من الأضرار ما يفوق ما كان مشغّلوها يأملون بالحصول عليه من مكاسب سياسية او غير سياسية جراء التعاون معها او لقاء السكوت عن جرائمها الوحشية ونتائجها المدمرة للبشر والشجر والحجر.
آن الاوان ، ازاء كل هذه الكوارث المادية والمعنوية وملايين المهجّرين والمهاجرين في اربع جهات الارض، ان يعيي صانعو الأزمات والويلات والحروب الوحشية ، ولاسيما الدول الكبرى، ضرورة ان يصغوا الى نداءات العقل والقلب والوجدان والإنسانية فيضعوا حداً لهذه المآسي والجرائم والكوارث التي لا توصف.