نشرت بجريدة "البناء" والقدس العربي"
تاريخ 21/12/2015
من الحل السياسي المستحيل الى الممكن ... بصعوبة
د. عصام نعمان
بإمكان كل من رأسيّ الفريقين المتصارعين في سوريا وعليها ان يدّعي النصر بصدور قرار مجلس الامن الدولي 2254 في 2015/12/18 .
جون كيري لخّص إنتصار فريقه بموافقة سوريا على مجالسة معارضي نظامها على طاولة المفاوضات بعد ممانعة طويلة أبداها، بحسب رأيه ، رئيسها بشار الأسد.
سيرغي لافروف تحدث بزهوّ عن تبني القرار الأممي 2254 في احدى حيثياته البيانَ المشترك عن نتائج المحادثات بشأن سوريا الصادر في فيينا بتاريخ 2015/10/30 وبيان الفريق الدولي لدعم سوريا الصادر بتاريخ 2015/11/4 ذلك ان الحيثية المذكورة نصّت على "كفالة الإنتقال السياسي تحت قيادة سورية وفي ظل عملية سياسية يمتلك السوريون زمامها على اساس مجمل ما جاء في بيان جنيف".
النصر الذي قد يدّعيه رئيس كل من الفريقين المتصارعين اعتورته مرارة لم يخْفِها اركان واعضاء في الفريقين . فالرئيس الاميركي باراك اوباما لم يكتم امتعاضه من بقاء الأسد اذ تمسّك بضرورة تنحيه من دون ان يحدّد موعداً لذلك. اعضاء في الوفدين السعودي والتركي لم يرق لهم الإتجاه الى إبعاد ممثلي التنظيمات المسلحة المدعومة من بلديهما عن طاولة المفاوضات.
لعل التقويم الاكثر واقعية وموضوعية للقرار 2254 هو ما جاء على لسان الوسيط الاممي ستيفان دي ميستورا : "الحل السياسي كان مستحيلاً ... الآن اصبح ممكناً ".
ربما اصبح ممكناً ، لكن بقدْر كبير من الصعوبة . ذلك ان عوائق عدّة ، سياسية وعسكرية وفنية ، ما زالت تقف في طريقه . على هذا الصعيد ، يمكن بيان الملاحظات الاتية:
اولاً ، لن تهضم السعودية وقطر وتركيا ان تكون تركيبة "الهيئة الإنتقالية ذات الصلاحيات الكاملة" تحت قيادة سورية ما يُبقي الاسد في قلب العملية السياسية في المرحلة المقبلة. ولعلها ستسعى الى التخفيف من وطأة مفاعيل هذا الإجراء بمحاولة الضغط ميدانياً على الحكومة السورية ، كما على الولايات المتحدة وروسيا ، من اجل تأمين حصة وازنة للتنظيمات المسلحة في الهيئة الإنتقالية.
ثانياً ، قد يطول الجدل حول تحديد التنظيمات الإرهابية وتمييزها من التنظيمات المعارضة "المعتدلة" الامر الذي يؤخر تأليف الهيئة الإنتقالية ومباشرة عملها وبالتالي تأخير إجراءات وقف اطلاق النار.
ثالثاً ، حتى لو امكن التوافق على تركيبة الهيئة الإنتقالية بصلاحياتها الكاملة فإن جدلاً طويلاً سيندلع بين اطرافها حول معادلة توزيع المهام داخلها. ذلك ان فريق الحكومة السورية سيصرّ على الإحتفاظ بالصلاحيات المتعلقة بالأمرة على القوات المسلحة بجميع فروعها الامر الذي سيلقى معارضة من اطراف الفريق الآخر.
رابعاً ، ستقع احتكاكات وخلافات ونزاعات بالضرورة بعد بدء مرحلة وقف اطلاق النار. فالجيش السوري (والقوى الداعمة له) لن يُوقف علمياته ضد قوات "داعش" و"النصرة" وقوى المعارضة المسلحة المتعاونة معهما الامر الذي سيثير حفيظة فريق المعارضة في الهيئة الإنتقالية وقد يعطل اجتماعاتها الى حين جلاء هذا الموضوع الحساس.
خامساً ، يتضح من تصريحات ممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري ووزير خارجية ايران محمد جواد طريف ان الحكومة السورية تعتبر كل مجموعة مسلحة تقاتلها هي مجموعة ارهابية الامر الذي يؤدي الى بلبلة واضطراب في حال اخفقت اطراف المعارضة في الهيئة الانتقالية – المفتقرة الى قيادة موحدة – في ضبط عشرات الفصائل المسلحة التي تدعي انها من المعارضة "المعتدلة" وبالتالي غير ارهابية.
سادساً ، من المرجّح ألاّ تستجيب تركيا لبنود القرار 2254 التي تلزم جميع الدول ذات الصلة والاطراف المنخرطة في القتال بوقف اطلاق النار وبمساعدة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة على التفاوض لكفالة انتقال سياسي بقيادة سورية. ذلك ان تركيا ستثابر على دعم القوى المسلحة القريبة من المعابر الحدودية لمنع الجيش السوري من السيطرة على كامل المناطق المحاذية لها.
سابعاً، في حال اخفقت اطراف المعارضة الممثلين في الهيئة الإنتقالية في الإستقلال عن حلفائهم الاقليميين ، فإن عمل الهيئة سيُخفق بدوره . ذلك ان مسائل وقف اطلاق النار ، وتأليف حكومة وطنية جامعة ، والاتفاق على احكام الدستور الجديد ، واجراء الإنتخابات في مدى 18 شهراً من بدء المحادثات سيتعثر حلها ما لم يتوصل الأطراف السوريون الى اقتناع متين بضرورة العمل بمعزل عن اي ضغوط او تدخلات خارجية.
ثامناً ، حتى لو تمكّن الاطراف السوريون من المحافظة على مستوى معقول من الإستقلالية والتعاون، فإنهم قد يتجادلون طويلاً حول قضايا اساسية تتعلق بتركيبة حكوة الوحدة الوطنية ، ومضمون الدستور الجديد ، واحكام قانون الإنتخابات. هذه الخلافات المحتملة ستحول دون انجاز العملية السياسية خلال 18 شهراً.
تاسعاً ، قد يتعثر عمل الهيئة الإنتقالية اذا ما اثيرت مجدداً مسألة اقصاء الرئيس بشار الاسد عن ممارسة اي دور في مستقبل سوريا بمحاولة منعه من الترشح لولاية رئاسية جديدة ، اذا كان راغباً في ذلك.
عاشراً ، قد تأتي الانتخابات الاميركية برئيس جديد قبل انجاز الهيئة الإنتقالية المهام المسندة اليها ، وقد يكون للرئيس الجديد سياسة متعارضة مع سياسة سلفه الامر الذي ينعكس سلباً على المفاوضات. كما قد يفشل التحالف الدولي الجديد ضد "داعش" و"النصرة" في اجلائهما عن كل المناطق السورية والعراقية التي يسيطران عليها ، ولاسيما الحدودية منها ، ما يؤدي الى تمديد الازمة السورية وتداعياتها السلبية على الجهود الأممية ويربك اجراءات الحل السياسي.
يتحصّل من هذه الملاحظات وجود صعوبات وعوائق جمّة تعترض طريق الحل السياسي . ومع ذلك فإن توصّل الأطراف السوريين الى توحيد قاطع لإرادتهم في الخروج من الازمة كفيل بإنجاح المساعي الرامية الى استعادة "وحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الاقليمية وطابعها غير الطائفي واستمرارية مؤسساتها الحكومية وحماية حقوق جميع السوريين بغض النظر عن العرق او المذهب الديني " ، كما جاء في حيثيات القرار الأممي 2254 .