جريدة" الخليج"
تاريخ 11/1/2014
انشقاق " القاعديين" بين الدوافع والنتائج
د. عصام نعمان
اندلعت الحرب بين "الدولة الإسلامية في العراق والشام-داعش" وسائر التنظيمات "القاعدية" المقاتلة في سوريا
لم يُفلح امير "جبهة النصرة" ابو محمد الجولاني في فرض نفسه "حكماً اعلى" بين "داعش" وخصومه المتصارعين "لإنقاذ الساحة من الضياع" ابو محمد العدناني ، المتحدث الرسمي بإسم "داعش" ، تجاهل الجولاني ووساطته المتأخرة وتوجّه في تسجيلٍ صوتي الى مقاتلي تنظيمه بصرخة الحرب : "احملوا عليهم حملةً كحملة (ابو بكر) الصدّيق واسحقوهم سحقاً ( ) لم يوفّـر معارضي الخارج حمل عليهم بقوله : "الإئتلاف والمجلس الوطني وهيئة الاركان والمجلس العسكري طائفة ردة وكفر" ، معلناً رصد "مكافأة لكل من يقطف رأساً من رؤوسهم"
الحرب اندلعت قبل دعوة الجولاني للتحكيم وصرخة العدناني للسحق وقطف الرؤوس فقد تمكّنت التنظيمات المعادية لـٍ "داعش" ، وفي مقدمها " الجبهة الإسلامية " بقيادة زهران علوش، من طرد مقاتليه من مواقع حدودية مهمة (بين سوريا وتركيا) في اطمة والاتارب ومنبج ، وحي الشيخ سعيد داخل حلب ، وهددت مواقعه في ريف حلب الشمالي ، وحاصرته في ريف ادلب الشمالي
غير ان "داعش" سرعان ما لعق جراحه وانتقل من الدفاع الى الهجوم، محرّكاً "ارتال الدعم من دير الزور والرقة الى حلب بقيادة رأس حربة الجهاديين عمر الشيشاني لسحق" كلاب الصحوات الكفّار" ، كما اكدت مواقع الكترونيـة تابعة له
ما سر هذا الإنشقاق في صفوف تنظيمات "الإسلام القاعدي" وتطوره الى حربٍ ضروس فيما بينها ؟
ثمة اسباب ودوافع كثيرة ، معقدة وملتبسة ما يجعل دراستها مسألة في غاية الصعوبة فمن قائل إن اجهزة إستخبارات الجيش العربي السوري تمكّنت من اختراق طرفي الصراع ، ولاسيما "داعش" و"الجبهة الإسلامية " ، ونجحت في تأليبهما على بعضهما بعضاً ومن قائل إن الولايات المتحدة ضاقت ذرعاً بعمليات "داعش" الدموية وانعكاساتها السلبية على صدقية المعارضة السورية في الداخل والخارج ، فسعت من خلال السفير روبرت فورد الى سلخ "حركة احرار الشام " عن "داعش" ، والى إقناع فصائل اخرى بالإنضمام الى جبهة ائتلافية جديدة توافق على ان تتمثل في مؤتمر جنيف -2
"داعش" اتهم الولايات المتحدة والسعودية وقطر بأنها خططت ونجحت في استدراج "جبهة النصرة" و" الجبهة الإسلامية" و"حركة احرار الشام" وغيرها الى معاداته " لتصفية مشروع الدولة الإسلامية ، وللظهور بمظهر محاربة الإرهاب، ولتشتيت المجاهدين غير السوريين ، ولتنصيب حكم عميل ، فتصبح السجون في إنتظار من يبقى حياً منهم "
المفارقة ان "جبهة النصرة" ، التي كانت حتى الامس القريب معادية لامريكا ولحضور مؤتمر جنيف- 2 ، تُعطي للإنشقاق اسباباً اخرى غير ما يجري اتهامها به ، ابرزها "الاعتداءات والتجاوزات والسياسة الخاطئة التي يتبعها "داعش" وادت الى تأجيج الصراع" غير ان الجبهة وعدت نفسها وحلفاءها بأن "هذه الفتنة ستزول وستعود الصفوف للرصّ من جديد وستكون هناك صفحة جديدة من الإنتصارات ضد النصيرية والرافضة"
هكذا يتضح انه من الصعب تقويم واقع الصراع وابعاده ومستقبله بين تنظيمات "الإسلام القاعدي" بالنظر الى تعدد الاسباب والدوافع وتشابكها وارتباطها بقوى وعوامل خارجية مؤثرة ووازنة لذلك يُستحسن مقاربة الصراع من زاوية نتائجه المحسوسة ميدانياً وسياسياً وانعكاسها على مؤتمر جنيف- 2 المقرر عقده في مونترو بسويسرا في منظور هذه المقاربة تتكشف نتائج خمس:
اولاها ، ان حرباً حقيقية يدور رحاها الآن بين "داعش" من جهة وسائر الفصائل المسلحة للمعارضة السورية في محافظات ادلب وحلب والحسكة والرقة ودير الزور وحمص من جهة اخرى ، وان ضحاياها بالمئات بين مقاتلي الطرفين فضلاً عن المدنيين الابرياء ، وان "داعش" صمد في مواقعه التي لم تكن قد سقطت في ايدي خصومه قبل ان يباشر هجومه المضاد بقيادة عمر الشيشاني
ثانيتها ، ان ثمة اساساً لإتهام "داعش" خصومه بأنهم كانوا على تواصل مع السفير روبرت فورد ومسؤولين استخباريين امريكيين آخرين ، وان هؤلاء تمكنوا من إقناعهم بفك تحالفهم معه وبمحاولة طرده من المواقع التي يسيطر عليها في ارياف محافظات ادلب وحلب والرقة ودير الزور ، وان السلطات التركية منخرطة في مخطط دعم التنظيمات الصديقة لامريكا والسعودية بدليل اغلاقها ، من جهتها، المعابر الحدودية في محافظتي ادلب وحلب التي كانت في قبضة "داعش"
ثالثتها ، ان ثمة تنسيقاً ، على ما يبدو ، بين الحملة التي تقودها حكومة نوري المالكي على تنظيم "داعش" في العراق (الذي سيطر على مدينة الفلوجة وقسم من مدينة الرمادي) وبين الحملة التي تقودها "جبهة النصرة" على "داعش" في ارياف المحافظات السورية الشمالية والشرقية ، وان التوقيت المتزامن للحملتين يرمي الى إضعاف "داعش" الذي بات مضطراً الى القتال على جبهتين
رابعتها ، ان قيادة الجيش العربي السوري التي كانت تتفرج بغبطة على احتراب خصومها "القاعديين" في شمال سوريا وشرقها قررت استثمار الفرصة الذهبية المتاحة ، فأمرت قواتها بالانتقال الى الهجوم ما ادى الى سيطرتها على حيّين في حلب كانا في قبضة "داعش" ومواقع اخرى في ريف حمص وريف دمشق الشرقي والغربي
خامستها ، ان من المبكر التكهن بتأثير الحرب الدائرة بين "داعش" وخصومه على مؤتمر جنيف -2 وذلك بسبب الصعوبة التي يواجهها طرفا الصراع في حسم الموقف على الارض قبل موعد انعقاد المؤتمر في 22 الشهر الجاري حتى لو انتصر خصوم "داعش" على الارض ، فإن ذلك لن يؤدي بالضرورة الى موافقة جميع الفصائل المقاتلة على انعقاد المؤتمر وعلى تمثيلها فيه مباشرةً او مداورة
كل ذلك يعزز رأي فريق من المراقبين والمحللين الذين يعتقدون بأن مآل الحرب في سوريا وعليها لم يعد له علاقة بمطالب الحرية والديمقراطية والكرامة والإصلاح إنما بتدميرها على غرار ما حدث في العراق لتعزيز بما يُسمى "امن اسرائيل" وذلك برسم خريطة جيوسياسية جديدة للمشرق العربي