نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 14/12/2015
المخرج من الازمة:
إزاحة سلطة العجز بإنتخابات على اساس النسبية
د. عصام نعمان
لبنان اليوم في أزمة . الواقع انه كان دائماً في ازمةِ نشأة ٍ وكينونة ومصير.
عوامل متعددة ، داخلية وخارجية ، أسهمت في تأجيج الأزمة وتخليدها ، لعل اسوأها خللٌ وفشلٌ في ادارة التنوّع الذي يتميّز به الإجتماع السياسي اللبناني.
ما يعانيه لبنان واللبنانيون اليوم فصل آخر من فصول الفشل المدوّي في ادارة التنوع، يتجلّى في شغور رئاسة الجمهورية ، وعجز البرلمان عن التشريع، وانقسام الحكومة على نفسها ما تسبّب بإنعدام القرار ، وشلل الادارات والمؤسسات الرسمية، وقصور مرافق الخدمات العامة ، وتواتر الإضطرابات الأمنية.
كل ذلك في وقتٍ يتهدد لبنان خطران استراتيجيان : اسرائيل الصهيونية العنصرية التوسعية ، والإرهاب التكفيري المتمثل بتنظيمات العنف الاعمى وخلاياها النائمة في الداخل ومفارزها المقاتلة على الحدود اللبنانية – السورية .
تزداد الأزمة خطورةً بتدهور اقتصادي واجتماعي تتفاقم حدّته بوجود اكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري ، ونحو 500 الف لاجىء فلسطيني ، مع إعلان وكالة الغوث الأممية (الاونروا) عجزها عن الوفاء بالحد الادنى من متطلبات الوافدين من سوريا .
لبنان يقف اليوم على مفترق . إنه مهدد بإنهيار اقتصادي – اجتماعي وبإضطرابات أمنية تؤجهها عصبياتٌ مذهبية متفلّتة من عقالها وقصورٌ فاضح في اداء اهل السلطة والقيادات السياسية التقليدية المتسلّطة .
ما المخرج ؟
إن التسليم بفشل القيادات السياسية التقليدية في ادارة التنوّع اللبناني يعني ، في ما يعني، فشل آليات العمل السياسي وادواته واساليبه المعتمدة وتعطيل المؤسسات السياسية والادارية والإقتصادية وإندلاع اضطرابات أمنية . من هنا يستقيم الإستنتاج بعدم جدوى اللجؤ الى الآليات والادوات والاساليب ذاتها للخروج من الأزمة طالما انها ستفرز القيادات الفاشلة نفسها والنتائج السياسية والإقتصادية والإجتماعية الفاسدة او الناقصة نفسها.
الى ذلك ، لا جدوى من إنتظار أي تدخل خارجي لمصلحة أيٍّ من الأطراف المتصارعين بسبب إنشغال القوى الخارجية بنفسها ، محلياً وإقليمياً ودولياً ، ما يجعلها عاجزةً عن التدخل عسكرياً .
لا فرصة ولا جدوى ايضاً لإنتخاب رئيس الجمهورية من برلمان منتهية صلاحيته وممددة ولايته ، وعاجز عن التشريع بل عاجز عن الإجتماع . ولا فرصة ولا جدوى من حكومة منقسمة على نفسها وعاجزة عن التقرير والتنفيذ.
نحن جميعاً ، مسؤولين ومواطنين ، نعاني ظروفاً وتحديات إستثنائية تتطلب، بلا مكابرة ولا مخاتلة ، قيادات استثنائية وقرارات استثنائية. ولا سبيل الى إنتاج قيادات استثنائية وصناعة قرارات استثنائية بإعتماد الآليات والادوات والاساليب التقليدية البالية نفسها .
الإنقاذ المطلوب لا يتحقق إلاّ بأن يقرر اللبنانيون ، مجتمعين ، بإرادةٍ حرة ما يريدون لأنفسهم ولوطنهم . هذا القرار المصيري لا يمكن ، ولا يجوز ، إتخاذه إلاّ عبر انتخابات حرة يكون اللبنانيون قادرين خلالها على المشاركة في مساواة تامة امام القانون وفي الفرص.
هل يستطيع اللبنانيون ان ينتزعوا ، مجتمعين ، حقهم بالحرية والإختيار والإنتخاب وفي تقرير المصير ؟
الحقيقة انه نادراً ما استطاع اللبنانيون ، مجتمعين ، اتخاذ قرارٍ مصيري عابرٍ للطوائف والمذاهب. فعلوا ذلك ثلاث مرات فقط في التاريخ المعاصر : الاولى سنة 1943 عندما اتحدوا سياسياً وشعبياً لتعديل الدستور وتكريس الإستقلال عن سلطات الإنتداب الفرنسي. الثانية سنة 1952 عندما إتحدوا سياسياً وشعبياً لمعارضة التجديد للرئيس بشارة الخوري ولإنهاء ولايته الثانية . الثالثة سنة 1958 عندما اتحدوا سياسياً وشعبياً لمنع الرئيس كميل شمعون من تجديد ولايته وتوثيق انحيازه لحلف بغداد و"مبدأ ايزنهاور" وذلك بإنتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.
هل ثمة قضية وطنية عظيمة القيمة والأهمية في الوقت الحاضر تدفع اللبنانيين الى الاتحاد سياسياً وشعبياً في سبيلها ؟
نعم ، انها الحرية والحق في ان يكونوا احراراً في وطن حر وأن يقرروا بحرية مصير إجتماعهم السياسي ومؤسسات حياتهم الوطنية المشتركة.
نعم ، المطلوب إجراء انتخابات حرة يشارك فيها اللبنانيون ، مجتمعين ، على اساس قانونٍ للإنتخابات يعتمد نظام التمثيل النسبي لضمان صحة التمثيل الشعبي وعدالته ما يؤدي تالياً الى استقامة ادارة التنوع اللبناني بحكمة وفعالية.
نعم ، اللبنانيون مدعوون الى الإتحاد في طلب الحرية والكرامة والى تنظيم صفوفهم، دونما إبطاء ، للضغط على اهل السلطة والقيادات التقليدية المتسلطة من اجل اعتماد قانون ديمقراطي للإنتخابات على اساس النسبية واجراء إنتخابات حرة بموجبه تكون ، بحد ذاتها ، مخرجاً من حال الأزمة والمحنة ، ومدخلاً لتكوين سلطة تشريعية من نواب شرعيين وبالتالي مؤهلين لإنتخاب رئيس الجمهورية ، ولتأليف حكومة إنقاذ وطني مقتدرة ، وإجراء تعيينات امنية وادارية مستحقة ، وتؤسس لإعادة بناء لبنان دولةً ووطناً.
كيف ؟
بإستنفار مجموعات الحراك الشعبي كما القوى السياسية الإصلاحية المعارضة للنظام الفاسد بغية اطلاق حملة جماهيرية واسعة شعارها "الشعب يريد تطبيق الدستور" وإزاحة سلطة العجز التي يمدّد اهلها ولايتهم لأنفسهم بأنفسهم، والضغط بكل الوسائل المتاحة والإستثنائية لحمل مجلس النواب على إقرار قانونٍ للإنتخابات على اساس التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة على مستوى البلاد كلها ، واجراء الإنتخابات العامة، تالياً ، بالسرعة الممكنة كي يصار بنتيجتها الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية ، وتأليف حكومة وطنية جامعة تتولى ، كأولوية اولى ، وضع التشريعـات الضروريـة لتنفيذ احكام الدستور ، ولاسيما المواد 22 و 27 و 95 منه ليصار ، بعد نفاذها، الى إنتخاب مجلس نيابي على اساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف ، ومباشرة إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية.
نعم ، يقتضي دعوة قادة القوى الشعبية والسياسية الناهضة بالحملة الجماهيرية الى مواجهة امتناع اهل السلطة ومجلس النواب عن استجابة المطالب الإصلاحية المستحقة والمستعجلَة باللجؤ الى تدابير استثنائية قوامها تكوين "مجلس وطني للحوار والقرار" (او مؤتمر وطني جامع ) يتولى وضع نظام للإنتخابات على الأسس المنوّه بها آنفاً وبإجرائها وفق احكامه بإستقلال عن اجهزة السلطة الرسمية المعطلة أصلاً او المشلولة. وليس من شك في ان اهل سلطة العجز عاجزون قطعاً عن منع اجرائها ، سيما وان الإنتخابات المرتجاة هي اقرب ما تكون الى استفتاء عام تجريه القوى الوطنية الحيّة ومنظمات المجتمع المدني ،98 وهو ليس استفزازياً ولا معادياً لأي جهة سياسية.
نعم ، يجب المبادرة الى ممارسة هذا التمرين الساطع في الديمقراطية المباشرة ليكون إنجازاً نموذجياً لشعب لبنان وقدوة لكل شعب عربي يتوق الى تقرير مصيره وضروريات حياته بنفسه.