نشرت بجريدة" السفير" و"الخليج"
تاريخ 5/12/2015
لماذا لن يختار اللبنانيون للرئاسة
مَن يختاره لهم الخارج ؟
د. عصام نعمان
للخارج ، بدوله ومصالحه وثقافاته ، دور فاعل في الداخل اللبناني. هكذا كان الامر منذ عهد المتصرفية في زمن العثمانيين ، مروراً بـِ "دولة لبنان الكبير" في زمن الفرنسيين، ثم بعد العام 1943 في زمن الإستقلال، وصولاً الى العهود السياسية المضطربة في الربع الاخير من القرن العشرين ولغاية الوقت الحاضر . بذلك اصبح الخارج بمثابة قدر لدى معظم اللبنانيين ، ولاسيما منهم اهل النظام في مختلف العهود.
الخارج ، في الواقع ، كان يسّمي الحكّام والرؤساء ، والداخل كان يتولى "انتخابهم". هذه الحال استمرت بلا إنقطاع لغاية انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في اواخر شهر ايار 2014. منذ ذلك التاريخ ، وبسبب الإضطرابات التي واكبت انتفاضات "الربيع العربي" ثم الحروب التي اعقبت غزوات الإرهاب التكفيري في مشرق العرب كما في مغربهم ، انحسر نفوذ قوى الخارج وتراجع تأثيرها المباشر على قوى الداخل. بكلمة ، ما عاد معظم اللبنانيين ، مع قلة من اهل النظام ، يتقبّلون فكرة ان يختاروا للرئاسة مَن يختاره لهم غيرهم في الخارج.
لماذ انحسر دور الخارج وتأثيره ؟
لأن موازين القوى تغيّرت في المنطقة ، لاسيما بعد حضور روسيا الكثيف في سوريا ، ما جعلها تميل لصالح الأطراف المؤيدة لمحور المقاومة بدوله وتنظيماته التي تواجه التحديين الرئيسيين في هذه الآونة : "اسرائيل" العنصرية والإرهاب التكفيري. غير ان بعض قوى الداخل في لبنان لا تتقبّل هذا التطور المستجد وتثابر على التصرف بوحي ايمانها الراسخ بأن حلفاءها الدوليين والإقليميين قادرون ، عاجلاً او آجلاً ، على التدخل لتسمية المرشح الذي يناسبها فيصار الى انتخابه رئيساً كما في الماضي التليد.
اللافت ان اللاعبين الخارجيين في الساحة اللبنانية على طرفي المشهد السياسي حريصون ، بواقعية ، على اطلاق تصريحات ومواقف تفيد بأنهم يؤيدون للرئاسة المرشح الذي يتفق عليه الاطراف اللبنانيون ، ومع ذلك لا ينفكّ بعض من هؤلاء عن الإعتقاد والتصرف بوحي ايمانهم الراسخ بأن كلمة السر ستأتي يوماً ما من الخارج فتجعل الرياح تجري بما تشتهي سفن اهوائهم ومصالحهم.
الى ذلك ، ثمة سبب آخر بالغ الأهمية للتعقيد الذي يكتنف إمكانية إتفاق الأطراف السياسيين المتصارعين على مرشح مقبول للرئاسة . إنه حرص الاطراف جميعاً ، ولا سيما القوى الوطنية الحية المستقلة عن نزاعـات تكتليّ 8 و 14 آذار ، على معرفة طبيعة قانون الإنتخابات الجديد قبل الإقدام على انتخاب رئيس الجمهورية العتيد. وليس سراً ان معظم قوى 14 آذار تتمسك بنظام التمثيل الاكثري ظناً منها أنه يوفّر لها امتلاك الأكثرية اللازمة لتدويم بقائها في السلطة ، في حين ان معظم قوى 8 آذار ، تجاري أكثرية اللبنانيين الناطقة في استطلاعات الرأي المتعاقبة والمطالِبة بإعتماد نظام التمثيل النسبي كصيغة قانونية وسياسية موزونة لتأمين صحة التمثيل الشعبي وعدالته.
فوق ذلك ، ترى القوى الوطنية الحية أن ايّ توافق على "انتخاب" رئيس جديد قبل إقرار قانونٍ ديمقراطي للإنتخابات على اساس النسبية إجراء غير شرعي ومدمّر لحاضر البلد ومستقبله. فهو غير شرعي لأن ولاية مجلس النواب انتهت العام 2013 وجرى تمديد ولايته مرتين لغاية خريف 2016 الامر الذي يتعارض مع ابسط المبادىء والتجارب الدستورية ويعطّل ارادة الشعب ، اذْ لا يعقل ان يبقى التوكيل المعطى للنواب في ظروف ذات خصوصية سياسية واقتصادية واجتماعية معينة ساري المفعول الى ما لا نهاية بتدبير غير شرعي، اقلّه غير مشروع ، قوامه قيام النواب بتمديد الوكالة لأنفسهم بأنفسهم. فالوكالة، اصلاً، تُعطى لمدة معينة ولا يجوز للوكيل ، بكل المعايير القانونية ، ان يمدد وكالته لنفسه بنفسه من دون موافقة الموكّل ، اي الشعب ممثلاً بالناخبين.
تزداد الازمة تعقيداً وخطورة بسبب لامبالاة بعض الكتل البرلمانية وعدم اكتراثها بالمشكلات الحياتية ، الإقتصادية والإجتماعية والصحية ، وآخرها مشكلة النفايات ، وعجزها عن ايجاد حلول لها. كل ذلك سيؤدي ، لا محالة ، الى تعميق ازمة لبنان المزمنة بكل جوانبها وابعادها ، وربما الى اندلاع حرب اهلية .
اذ تتفاقم الازمة وتتعقد على هذا النحو ارى ، وغيري كثيرون ، انه محكوم على القوى الحيّة ، داخل الكتل البرلمانية وخارجها، ان تتحسب لكل المخاطر المحدقة فتبادر بالسرعة الممكنة الى تنظيم حملة شعبية واسعة شعارها المركزي "الشعب يريد تطبيق الدستور" (ولا سيما المادة 22 منه التي تقضي بأنه "مع انتخاب مجلس نيابي على اساس وطني لاطائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية") على ان يجري تنفيذ ذلك عملياً بالضغط المركّز على الشبكة الحاكمة بكل الوسائل الديمقراطية المشروعة والمتاحة لحملها على اعتماد قانون للإنتخابات على اساس النسبية تحت طائلة اللجؤ ، في حال امتناعها ، الى إقامة مجلس وطني للحوار والقرار (او مؤتمر وطني جامع) يتولى وضع القانون المطلوب على اساس ان يكون لبنان كله دائرة انتخابية واحدة والمبادرة ، بالاستناد الى نظرية الظروف الإستثنائية ، الى اعتماده بلا ابطاء في إجراء انتخابات نيابية بمعزل عن الشبكة الحاكمة المصممة على تدويم احتكار السلطة وإعادة إنتاج نظام الطوائفية والمحاصصة وانتهاب المال العام من الازل الى الابد .
هل من نهج افضل وافعل؟