نشرت بجريدة "البناء" و "القدس العربي"
تاريخ 7/12/2015
هل تهبط اميركا من الجو الى الارض
لمجابهة روسيا وايران في سوريا والعراق ؟
د. عصام نعمان
لاعبون كثر يحتشدون في ملعب سوريا وسمائها. الكل يلعب لعبته الخاصة ويحاول ان يسجل نقاطاً في مرمى واحد هو سوريا . غير ان مجريات الالعاب والألاعيب قد تؤدي الى صدامات بين اللاعبين انفسهم.
اميركا تلعب في الاجواء السورية والعراقية بالاصالةً عن نفسها وبالوكالة عن لاعبين حلفاء ، اقليميين واطلسيين . كما يلعب بعض حلفائها في البر السوري بالوكالة عنها دوراً لوجستياً ومالياً .
روسيا تلعب في الجو السوري بكثافة ، كما تلعب على البر السوري بفعالية متطورة .
ايران تلعب على البر السوري بسخاء لوجستي ، مالي وعسكري ، ملحوظ. لعلها تفكر بالتحليق في الجو السوري ايضاً لشنِّ غارات محسوبة.
تركيا تلعب على البر السوري بفتح حدودها امام "داعش" لإستيراد بشر مقاتلين وتصدير نفط مسروق من آبار سوريا والعراق. تجرأتّ اخيراً على ان تلعب ايضاً في الجو السوري ضد روسيا فخرقت الاصول بفظاظة وعرّضت نفسها لعقوبات شديدة من "الحَكَم" الروسي الصارم.
فرنسا لعب عليها "داعش" ثم لعب بها في قلب عاصمتها فدفعت بطائراتها الى السماء السورية للإقتصاص من لاعبين ارهابيين حرصوا على تهديدها بألعاب دموية اضافية بعد "لعبة" باريس المدوّية.
الكل يلعب، اذاً ، في البر السوري بشكل او بآخر. الفريق الاميركي كان اوفد نحو 50 مستشاراً ومدرِّباً الى الفريق المعروف بإسم "وحدات حماية الشعب الكردي" لترفيع ادائه ضد فريق "داعش" وربما ايضا ضد الفريق التركي. مؤخراً اوضح كابتن الفريق الاميركي وزير الدفاع اشتون كارتر خلال جلسة استماع له امام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب ان "عناصر القوات الخاصة (كوماندوس) الذين بدؤا في الإنتشار ستكون من المهمات المناطة بهم مداهمةُ اوكار محددة لألقاء القبض على قادة تنظيم الدولة ("داعش" في سوريا والعراق )، وهذه القوات ستتمكّن مع الوقت من القيام بمداهمات لتحرير الرهائن ، وجمع المعلومات الإستخبارية والقبض على قادة في تنظيم الدولة". كما اكد انه "مستعد لتوسيع دور القوات الخاصة في سوريا".
كارتر لم يقل علناً ما يجري فعله سراً : تجهيز مطار زراعي في تل حجر في ريف الحسكة بمدارج مخصصة للطيران الحربي حيث توجد مستودعات للاسلحة والذخائر تخص "وحدات حماية الشعب الكردي". ما الغرض ؟ تمكينُ الجيش الاميركي من انزال قوات الكوماندوس وايصال الدعم العسكري لحلفائه الذين باتوا يسيطرون على منطقة واسعة على جانبي الحدود السورية-العراقية.
المفارقة ان "وحدات حماية الشعب الكردي" لا تتلقى الدعم اللوجستي من اميركا فحسب بل من روسيا ايضاً. ففي مدينة القامشلي القريبة من الحدود السورية – العراقية هبطت اخيراً طائرة روسية في مطارها حيث سلّمت "وحدات الحماية" مساعدات عسكرية.
ماذا يجري في شمال سوريا ، وما المرامي المبتغاة ؟
بات واضحاً ان قيام تركيا بإسقاط طائرة روسية داخل سوريا قبل نحو اسبوعين قد ولّد ردود فعل ، سياسية واقتصادية وعسكرية ، من موسكو ادت الى تقويض حلم رجب طيب اردوغان بإقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا لتحقيق غرضين : منع الاكراد السوريين من السيطرة على المنطقة الممتدة من جرابلس شرقاً الى عفرين غرباً من جهة ، ومن جهة اخرى وضع اليد على منطقة سورية واسعة لتعزيز المركز التفاوضي لتركيا وحلفائها في اي محادثات تجري مع حكومة دمشق للتوصل الى تسوية سياسية.
الى ذلك ، تتقبل سوريا وايران وروسيا دعماً عسكرياً ومشاركة قتالية من اي دولة في وجه "داعش" واخوته لإجلائهم عن كل المناطق التي يسيطرون عليها في شمال البلاد وشرقها ووسطها وجنوبها. لكنها تشترط عدم المساس بوحدة سوريا الجغرافية والسياسية. حكومة دمشق قد توافق في مفاوضات اممية على منح الاكراد في شماليّ شرق البلاد حكماً ذاتياً في إطار الدولة السورية الواحدة ، لكنها ترفض اي ترتيبات قد تؤدي الى ايجاد وضع انفصالي .
في ضوء هذه الواقعات والإعتبارات ، يمكن تفسير مجريات الصراع في سوريا بأنه يتجه في الحاضر والمستقبل المنظور الى توليف الترتيبات الآتية:
· إجلاء "داعش" واخوته عن جميع المناطق التي يسيطرون عليها في شمال وشرق ووسط وجنوب سوريا بلا قيد ولا شرط.
· عدم تمكين الاكراد في شماليّ شرق سوريا من التمدد للاتصال باخوتهم في منطقة اعزاز وعفرين في غربها ما يطمئن حكومة انقرة الى جعل معظم المناطق المتاخمة للحدود السورية – التركية بمأمن من اي سيطرة كردية.
· مراعاة خصوصية التركمان في محافظة ادلب وسائر مناطق شماليّ غرب سوريا بمنحهم شكلاًٍ من اشكال اللامركزية الادارية ، لا السياسية.
حتى لو امكن التوافق ، عاجلاً او آجلاً ، على الترتيبات آنفة الذكر ، فإن الصراع في سوريا والعراق سيبقى محتدماً بفعل تحديين : الإحتلال الاسرائيلي في الجولان ، وسيطرة "داعش" على محافظات نينوى (الموصل) وغرب صلاح الدين والأنبار على طول حدود العراق مع سوريا. ذلك ان دمشق تدرك أبعاد التعاون القائم بين جبهة "النصرة" و"اسرائيل" في الجولان ومحاولات الكيان الصهيوني اقامة جيب للتنظيمات الإرهابية في جنوب سوريا بغية الضغط عليها لتحقيق غرضين: تخلي دمشق عن المطالبة بتحرير الجولان من الإحتلال ، وسحب قوات المقاومة (حزب الله) من سوريا ووقف دعمها لوجستياً من ايران عبر الاراضي السورية.
اما العراق فسيصرّ ، حكومةً وشعباً ومقاومةً ، على إجلاء "داعش" عن كل المناطق التي يسيطر عليها في الوقت الحاضر . كذلك لن تتردد فصائل "الحشد الشعبي" ، بدعم من ايران ، عن مواجهة اي قوات اميركية (وقيل تركية ايضاً) يُصار الى نشرها في العراق تحت اي ذريعة اذا كان وجودها يصبّ في مسعى واشنطن ، كما "اسرائيل" ، لإقامة دولة-اسفين في محافظات العراق الغربية لفصل بلاد الشام عن بلاد الرافدين وبالتالي عن ايران.
الصراع في المنطقة ما زال محتدماً ، لكنه سيزداد احتداماً وعنفاً اذا ما قررت الولايات المتحدة الهبوط من الجو الى البر لتحقيق مراميها ومخططات "اسرئيل" في سوريا والعراق.