نشرت في جردية "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 9/11/2015
السؤال الأهم ليس "كيف" أُسقطت الطائرة الروسية
بل "لماذا" ؟
د. عصام نعمان
سيطول الجدل حول كيف جرى إسقاط ( او تفجير) الطائرة الروسية في سيناء. ستتعدد التكهنات والإجتهادات حتى بعد الفراغ من التحقيقات لأن لا سبيل ، على ما يبدو ، الى تحديد سبب قاطع.
كذلك ستتعدد التكهنات والترجيحات حول من تراه يكون الفاعل. لكن ، هل من موجب لهذا الجدل بعدما اعلنت " الدولة الإسلامية – داعش" مسؤوليتها جهاراً نهاراً؟
حتى لو افترضنا جدلاً ان التحقيقات توصلت الى ان سقوط الطائرة مردّه الى عطل فني او ان جهة اخرى غير "داعش" هي المسؤولة ، فهل يغيّر ذلك من خطورة التداعيات الناجمة عن الحدث الجلل ؟
مهم ، بطبيعة الحال ، معرفة كيف جرى إسقاط الطائرة الروسية لتدارك حوادث مماثلة في المستقبل بجميع الوسائل الممكنة. لكن الأهم معرفة لماذا اقدمت "الدولة الإسلامية-داعش" على اسقاطها طالما هي تبنّت الحادث – الحدث وتحدّت مسؤولي روسيا ومصر وخبرائهما ان يحددا جهة اخرى غيرها .
إن مسارعة "داعش" الى تبنّي عملية اسقاط الطائرة والتأكيد لاحقاً ، بإصرار وتحدٍّ ، على تحمّل كامل المسؤولية تنطق بجملة دلالات:
اولاها ان تنظيم "داعش" قد اضحى دولة قادرة قولاً وفعلاً. ذلك ان اسقاط طائرة على ارتفاع نحو عشرة كيلومترات يشكّل برهاناً على امتلاكه قدرات غير عادية ، سواء كانت فنية او بشرية ، بمعنى قدرته على تنفيذ الإسقاط (او التفجير) بعملية انتحارية.
ثانيتها ان عملية الإسقاط (او التفجير) كانت شديدة التعقيد بدليل عجز دول كبرى تمتلك اجهزة متقدمة بالغة التطور والفعالية عن كشف اسباب الحادث في مدة زمنية مقبولة.
ثالثتها ان الحادث – الحدث استهدف طائرة تمتلكها دولة كبرى الامر الذي يشير الى تقصّد "الدولة الإسلامية" النيل منها ، والى إستعدادها لتحمّل مفاعيل هذا التحدي ، حاضراً ومستقبلاً.
رابعتها ان اصرار "الدولة الإسلامية" على تبني الحادث – الحدث اليوم يشير الى امكان تكراره غداً عند اول فرصة متاحة وفي اي مكان.
خامستها ان "الدولة الإسلامية" ربما تقصّدت تحدي روسيا ، بما هي دولة كبرى، املاً بأن تعطي العالم عموماً والمسلمين خصوصاً انطباعاً بأنها غدت ، هي الاخرى ، دولة كبرى من حيث امتلاكها قدرات غير عادية وذراعاً طويلة . ذلك حمل صحيفة "فورن بوليسي" الاميركية على الترجيح بأن "الدولة الإسلامية" بدأت تنتهج استراتيجية جديدة في الهجمات الإرهابية تهدف الى إيقاع اكبر عدد من الضحايا. ولا شك في ان تكثير عدد الضحايا سيكون له وقع وصدى ومردود وازن في الجمهور الذي يمدّ "داعش" بالمقاتلين والإنتحاريين.
الى ذلك ، يبدو ان لـِ "داعش" هدفاً آخر من وراء اللجؤ الى نهج اسقاط الطائرات بمن فيها ، اياً كانت جنسية اصحابها ومشغّليها . إنه إشعار ، بل إقناع، مسلمي العالم أجمع بأن "دولة الخلافة الإسلامية" عادت وسادت وانها وحدها من دون سائر الدول ذات الهوية الإسلامية تمثل الإسلام والمسلمين الامر الذي يستوجب محضها البيعة والولاء ومدّها بأسباب القوة والبقاء.
لا يبدو ان المسؤولين في دول الغرب عموماً ، ولاسيما في الولايات المتحدة وسائر دول "الناتو"، فهموا او تفهموا المعاني سالفة الذكر . ذلك ان ردود أفعالهم على حدث إسقاط الطائرة الروسية تركّزت على امرين : الاول ، استقصاء اسباب الإسقاط او التفجير والايحاء بقوة تداعياته على مكانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ونفوذه في بلاده . الثاني ، الادعاء بأن الحادث – الحدث هو رد من "داعش" على قسوة التدخل الروسي ضد اعداء النظام في سوريا.
مهما يكن الامر ، فإن واشنطن لن تتأخر كثيراً في الإقرار بأن الأخطار المشعّة من "الدولة الإسلامية" اصبحت عالمية المدى والتأثير ، وان محاولات استغلال التنظيمات الإرهابية في لعبة الامم ، ولاسيما في سوريا والعراق ، لن تكون مجدية في المدى الطويل ، وان الولايات المتحدة وحلفاءها الاوروبيين والاقليميين والعرب محكوم عليها ، كما عليهم ، بمواجهة "داعش" في كل الجبهات المشتعلة حالياً والممكن اشعالها مستقبلاً ، وان التعاون مع كل المتضررين من "داعش" واخوتها ، ولاسيما روسيا وسوريا والعراق وايران ، حاجة استراتيجية لا سبيل الى تجاهلها او التهاون في معالجتها .
بإختصار ، "الدولة الإسلامية" باتت اكبر واخطر بكثير من تقديرات الدول والحكومات التي تشكّل أهدافاً لها او تعاني من هجماتها . كما هي ، على ما يبدو، اكثر دراية وذكاء وفعالية من الدول التي تظنّ انها تستغلها في لعبةِ أممٍ باتت باهظة التكلفة ومحدودة الجدوى.