جريدة "البناء" تاريخ 4/1/2014
تفادي الفراغ بالإتفاق على الحكومة والرئيس معاً
د عصام نعمان
لبنان بلا حكومة منذ نحو تسعة اشهر لعجز تكتلاته البرلمانية عن الإتفاق على تركيبة مقبولة ، وبلا سلطة تشريعية لعجز البرلمان عن الإجتماع منذ نحو ستة اشهر ، وقد يصبح بلا رئيسٍ للجمهورية مع إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 ايار المقبل لصعوبة الإتفاق على إنتخاب رئيس وطني بديل ومقبول
الشلل في السلطتين التنفيذية والتشريعية خطير ومقلق لكن رئاسة الجمهورية هي جوهر الأزمة ومفتاح حلها في آن هذا ما استخلصته من لقاء خاص مع غبطة البطريرك بشارة الراعي يومَ الاحد الماضي البطريرك اكدّ رأيه مجدداً بعد ثلاثة ايام في قداس الإحتفال برأس السنة الميلادية حذّر الرئيس سليمان في كلمته من " شطر الإستحقاق الرئاسي لأنه سيكون قتلاً للبنان "
شطرُ الإستحقاق الرئاسي ، في رأي الراعي ، يعني فصل استحقاق تأليف الحكومة عن استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية ثمة شعور لديه بأن تطورات الازمة تتجه هذا الإتجاه
خلال مناقشة واقع الازمة وابعادها ، لفتُّ البطريرك الى لاجدوى توجّه الرئيس سليمان ، بالتفاهم مع الرئيس المكلف تمام سلام ، الى تأليف "حكومة حيادية" قلتُ إن هذا التوجه سيزيد الازمة تعقيداً ذلك ان قوى 8 آذار وحلفائها ، وكتلة وليد جنبلاط الوسطية ايضاً ، سترفضها ما يؤدي الى ثلاثة احتمالات مقلقة:
اولها ، إنسحاب وزراء طائفة او اكثر من الحكومة ما يجعلها غير ميثاقية ، اي مخالفة للفقرة "ي" من مقدمة الدستور المتعلقة بإلتزام العيش المشترك
ثانيها ، ان مجلس النواب قد لا يلتئم لمناقشة بيانها الوزاري ما يحرمها نيل ثقته المشترطة دستورياً
ثالثها ، حتى لو إجتمع مجلس النواب فإن الارجح عدم نيلها الثقة ما يُفقدها مشروعيتها الدستورية ويُلزم رئيس الجمهورية بإجراء استشارات نيابية لتأليف حكومة جديدة
رابعها ، إن حجب الثقة عن الحكومة الجديدة ، او عدم إلتئام مجلس النواب للتصويت على الثقة بها ، يحرمها المشروعية الدستورية فلا يصحّ اعتبارها حكومة صالحة لتتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال شغور سدتها
خامسها ، إن معارضي الحكومة المفتقرة الى ثقة البرلمان لن يقبلوا البتة بأن تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية ، وقد يرفضون تسليمها الوزارات التي يتولونها ما يؤدي الى انفجار الازمة على نحوٍ يهدد كيان لبنان بالإنهيار
شاطرني البطريرك الراعي هذا الرأي مؤكداً ان انتخاب رئيس الجمهورية في موعده الدستوري هو مفتاح الحل ، وانه يقتضي إلزام النواب بحضور جلسة البرلمان لإنتخاب الرئيس لتفادي حصول فراغ سياسي كارثي
قلتُ للبطريرك إن ثلاثة اشهر تفصلنا عن موعد انتخاب رئيس الجمهورية، فلا يجوز إهدار الوقت بتجربة تأليف حكومة حيادية ( مع العلم ان لا حياد ولا محايدين في لبنان!) لأننا نعرف سلفاً مصيرها وتداعيات رفضها شعبياً وبرلمانياً، فلماذا يصر الرئيس سليمان على عقد مؤتمر صحافي اليوم ( كان ذلك مقرراً الاحد الماضي) ليعاود طرح فكرتها ؟ أليس أجدى له وللبلاد ان يدعو قادة الكتل البرلمانية وممثلي القوى الوطنية الحية الى طاولة الحوار بالسرعة الممكنة ويناشد الشعب تأييد خطوته للضغط عليهم بغية حضورهم للتوافق على صيغة مقبولة للخروج من الفراغ السياسي الماثل ؟
وافق البطريرك على رأيي ، فقلت له : الآن الساعة الثالثة ، والرئيس سليمان سيعقد مؤتمره الصحافي في السادسة ، ما رأيك في ان اخرج للتوّ واتصل به هاتفياً ، واقترح عليه تجديد دعوته الى طاولة الحوار ، وانك تتبنى هذا الرأي ؟ اجاب: بل قل له انني زكّيته وطلبت نقله اليه
خرجتُ فوراً مع صديقي رياض صوما ( الذي كان حاضراً اللقاء) واتصلتُ من سيارته بالقصر الجمهوري طالباً محادثة الرئيس الذي لم يتأخر في التواصل معي هاتفياً لمدة لا تقل عن 15 دقيقة
لخّصت للرئيس سليمان مضمون حواري مع البطريرك ورجاءنا له بأن يمتنع في مؤتمره الصحافي عن طرح فكرة الحكومة الحيادية ويستعيض عنها بدعوة القادة السياسيين الى طاولة الحوار للتوافق على صيغة لتفادي الفراغ وللخروج من الازمة
أصغى الرئيس بإهتمام ثم صارحني قائلاً : حتى لو تجاوب الزعماء وحضروا ، فإن شيئاً لن ينجم عن طاولة الحوار انا اعرف كيف سيتصرفون ممثلو قوى 14 آذار سيطلبون وضع سلاح المقاومة بنداً وحيداً على جدول الاعمال بما في ذلك المطالبة بسحب قوات حزب الله من سوريا ، وممثلو قوى 8 آذار سيرفضون ويشترطون بحث الامر في سياق مشروع استراتيجيا الدفاع الوطني ، فينتهي الاجتماع الى إختلاف وخلاف لا يجوز إستنفاد طاولة الحوار بما هي سلاحي التفاوضي الاخير قبل ثلاثة اشهر من إنتهاء ولايتي
قلتُ للرئيس سليمان إنه سيكون في وسعه خلال الحوار طرح فكرة التوافق على حكومة جديدة ، وهذا افضل واجدى من طرحها في مؤتمرٍ صحافي مع علمه المسبق بأن اكثر من نصف اللبنانيين سيرفضونها أجاب بعد برهة : قد ألغي المؤتمر الصحافي ولا اقول شيئاً عن الحكومة ، وربما اقول شيئاً آخر
بالفعل ألغى الرئيس سليمان مؤتمره الصحافي وبكّر في الظهور عند الساعة الخامسة على شاشات التلفزة معلناً " الشيء الاخر" إنه قرار السعودية بمنح لبنان ثلاثة مليارات دولار ، تُدفع لفرنسا لتقوم بتزويد الجيش اللبناني اسلحةً يحتاجها
استغربتُ السيناريو البديل والمفاجيء ، فإستوضحتُ مصدرين مطّلعين من اهل العلم ببواطن الامور الاول ، كان مساعداً وبالتالي صديقاً للرئيس سليمان اثناء خدمته في الجيش ، وهو في الوقت نفسه صديق لقادة حزب الله الثاني صديق حميم لرئيس الجمهورية السابق العماد اميل لحود الذي يتسنى له الإطلاع على معلومات إستخبارية رسمية
المصدر الاول اكّد لي ان قرار منحة الثلاثة مليارات أبلَغته السعودية للرئيس سليمان بعد وصول الرئيس فرنسوا هولند الى الرياض ، مشفوعاً بنصيحة صارمة له من العاهل السعودي والرئيس الفرنسي معاً بالمسارعة الى اعلان الحكومة الحيادية ، وان ذلك هو سبب بيانه المفاجىء
المصدر الثاني اكد معلومة المصدر الاول ، واضاف اليها اخرى ربما اكثر اهمية مفادها ان السفير الاميركي في بيروت كان زار الرئيس سليمان، قبل ساعات قليلة من اعلان بيانه ، ليقدم له نصيحة مغايرة : الإستقرار أهم للبنان في هذه الآونة من حكومة حيادية يؤدي إعلانها الى تصديع الإستقرار
في بيانه المفاجىء ، لوحظ أن الرئيس سليمان أعلن عن منحة المليارات الثلاثة ، لكنه أحجم عن إعلان تشكيل الحكومة الحيادية
بأيٍّ من النصيحتين سيعمل الرئيس سليمان ؟ هل يمكنه إرضاء الجانب السعودي – الفرنسي بقبول المليارات الثلاثة والاسلحة الموعودة فقط ، وإرضاء الجانب الاميركي بتقديم مطلب الإستقرار على فكرة حكومةٍ "حيادية" قد تتسبّب بتصديعه؟
ثم ، ألا يقتضي أن يُرضي الرئيس سليمان اللبنانيين بمبادرة عملية لتفادي الفراغ وإنهيار الكيان وذلك بدعوة القادة السياسيين وممثلي القوى الوطنية الحية الى طاولة الحوار للتوافق على حكومة جامعة ورئيس جمهورية اصلاحي وقانون ديمقراطي للانتخابات يضمن إنجاب مجلس نيابي تأسيسي لإستكمال إصلاحات اتفاق الطائف وفي مقدمها إنتخاب مجلس نيابي على اساس وطني لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف ؟
هذا هو السؤال