حوار الحاكمين للإحتواء... وحراك المنتفضين ما هدفه ؟
د. عصام نعمان
لبنان بلا رئيس جمهورية لليوم الثامن والستين بعد الاربعمئة ، وبلا حل لتراكم النفايات لليوم الخمسين على التوالي. ومع ذلك لا جماعة الحاكمين توصلت الى تسوية ، ولا نقول الى حل ، بشأن مشكلة إنتخاب الرئيس او غيرها من المشاكل الاكثر اهمية وتعقيداً ، ولا الحراك الشعبي للمنتفضين توصل الى تحديد هدف مركزي للتظاهرات والإحتجاجات والإعتصامات التي تلف بيروت وسائر مناطق البلاد . اللبنانيون ، مسؤولين ومواطنين ، باتوا في حال إرتباك وقلق ومعاناة وفوضى متسارعة. الى اين من هنا ؟
الحاكمون ، مقيمينَ و"مهاجرين" ، اسلسوا قيادهم اخيراً لرئيس مجلس نوابهم، نبيه بري ، الذي دعا قادة الكتل السياسية الـ 17 الى المشاركة في حوار وطني حدد موعده يوم الأربعاء المقبل. غالبية الكتل السياسية في الداخل وافقت على دعوة بري. غالبية قوى الخارج المعنية بأزمة لبنان وافقت ، كما يبدو ، على دعوته ايضاً . الدليل ؟ ما نسبته صحيفة "الاخبار" الى رئيس مجلس النواب من قيامه بـِ "سلسلة اتصالات شملت سفراء (...) لأنني ارى في الغيوم نذير أمطارٍ ووُحُول" ، ونداء مجلس الامن الى البرلمان للإسراع في إنتخاب رئيس الجمهورية ووضع حدٍ للإضطراب الدستوري.
استغرب المراقبون كثيراً موافقة قادة كتل الداخل ، موالين ومعارضين ، على دعوة بري للحوار. لم يجدوا جواباً مقنعاً لإستغرابهم سوى ان الحاكمين جميعاً شعروا بأن حراك المنتفضين يهدد صدارتهم ، إن لم يكن سيطرتهم ، على المشهد السياسي. لبّوا دعوة بري ، اذاً ، لأنهم فهموا تماماً ما تعنيه: التضامن من اجل احتواء الظاهرة الشعبية المتعاظمة.
هل ينجح الحاكمون في حوارهم ؟
يقتضي ، اولاً ، التذكير بموضوعات الحوار السبعة التي حددها الرئيس بري وهي : إنتخاب رئيس الجمهورية ، تفعيل مجلس النواب ، آلية عمل مجلس الوزراء ، قانون الإنتخابات ، اللامركزية الادارية ، دعم الجيش والقوى الامنية ، واستعادة الجنسية اللبنانية . ثمة ملاحظات ثلاث حول هذه الموضوعات:
اولاها ، ان حوارات متعددة كانت ناشطة حول معظم هذه الموضوعات ابرزها الحوار شبه الاسبوعي القائم بين "تيار المستقبل" (الحريري) وحزب الله (المقاومة) في منزل رئيس مجلس النواب ، فهل من امور جديدة سيقولها هذان التكتلان في الحوار مغايرة لتلك التي ما انفكّا يرددانها في اجتماعاتهما المتواصلة؟
ثانيتها ، ان رئيس مجلس النواب كان حدّد نحو 30 جلسة للبرلمان من اجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية ، لكن النصاب لم يكتمل في ايٍّ منها ، فهل حدث ما يحمل قادة الكتل البرلمانية على تغيير مواقفهم والتوافق على اسم محدد لإنتخاب الرئيس ؟
ثالثتها ، إن اثنين على الاقل من الموضوعات المراد بحثها في الحوار يتصفان ، بحسب الصحف المقرّبة من بعض قادة الكتل البرلمانية ، بأن لها امتدادات اقليمية ، فهل توصلت القوى الإقليمية المتصارعة والمتنافسة الى توافقٍ بشأن تسوية الأزمة اللبنانية المزمنة ؟
هذه ، بإختصار ، ملابسات مواقف مختلف تكتلات الحاكمين وحلفائهم من الحوار وموضوعاته المتشعبة والمتشابكة . ماذا عن مواقف المنتفضين؟
من الواضح ان المنتفضين ليسوا جهة او جبهة واحدة. لعلهم ، على العموم، ثلاث :
الاولى إئتلاف جميعات من اوساط المجتمع المدني تعمل تحت مسمى "طلعت ريحتكم"، وهي تبدو حريصة على طرح شعارات ومطالب ذات طابع بيئوي واجتماعي وتفضّل تجنّب القضايا ذات الطابع السياسي.
الثانية ، مجموعة تنظيمات واتحادات شبابية وشخصيات ذات خلفية يسارية، ابرزها اتحاد الشباب الديمقراطي ، وهي تبدو حريصة على طرح شعارات ومطالب ذات طابع اجتماعي بالدرجة الاولى وسياسية بالدرجة الثانية.
الثالثة ، مجموعة تنظيمات وحركات سياسية وشبابية وشخصيات قيادية عاملة في الحقل العام ابرزها مجموعة " بدنا نحاسب" ، وهي حريصة على مقاربة الازمة الراهنة في منظور سياسي – اجتماعي ، وتطالب بإقامة قيادة او هيئة تنسيق مشتركة بين جميع او ، في الأقل ، بين معظم المجموعات القائمة بالحراك والإنتفاضة الشعبيين ، وتخطط لتقديم برنامج مرحلي متطور في هذا السبيل ، ابرز بنوده إجراء انتخابات عامة على اساس التمثيل النسبي في دائرة واحدة تشمل البلاد برمتها ليكون البرلمان الجديد المنبثق منها بمثابة مجلس تأسيسي لمباشرة اصلاحات دستورية وسياسية واجتماعية في مقدمها تفعيل المادة 22 من الدستور (اقامة برلمان على اساس وطني لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل العائلات الروحية) والمادة 95 منه (إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية)، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي يستفيد منها الموظفون والمعلمون والعسكريون.
غير ان اهم ما يميّز هذه المجموعة الثالثة عن غيرها امور ثلاثة :
- اصرارها على رفض اي تسوية تتقدم بها السلطة الحاكمة لأن الغرض
منها سيكون دائماً تنفيس الحركة الشعبية وبالتالي التسويف والمماطلة.
- تشديد الضغط على السلطة الحاكمة بغية حملها على التراجع والموافقة على إقرار قانون للإنتخابات على اساس التمثيل النسبي والدائرة الواحدة.
- الضغط على قيادات "التيار الوطني الحر" وحركة امل وحزب لله ، ولاسيما على التنظيمين الاخيرين ، من اجل السماح للأعضاء والأنصار بالمشاركة في الحراك الشعبي الهادف الى إضعاف السلطة الحاكمة كونهم من الفقراء الذين لهم مصلحة في إقرار اصلاحات اجتماعية مستحقة.
يتحصّل من الواقعات والتطورات سالفة الذكر ان الأزمة المزمنة في لبنان ما زالت تتفاعل وتتفاقم ، وان الصراع بين اهل السلطة واهل الحراك الشعبي كما بين القيادات والمجموعات داخل كلٍ من الجانبين ما زال محتدماً ، وان لا نور يلوح ، بعد، في آخر نفق الأزمة...