محاذير استقالة الحكومة و...محاسنها ؟
د. عصام نعمان
لا دليل حاسماً في لبنان المضطرب على ان ايّاً من القوى المكوّنة لحكومة الرئيس تمام سلام تتوّخى إسقاطها او إستقالتها. حتى لو اراد بعضها ذلك ، فإن ثمة شروطاً ستة لإعتبارها مستقيلة حدّدتها المادة 69 من الدستور ، لا يبدو معظمها متوافراً في الوقت الحاضر ربما بإستثناء شرط واحد هو "اذا فقدت اكثر من ثلث عدد اعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها".
حتى هذا الشرط يبدو غير متوفر ايضاً. ذلك أن عدد اعضاء الحكومة ، بحسب مرسوم تشكيلها ، هو 24 وزيراً الامر الذي يتطلّب استقالة 8 وزراء في الاقل لإعتبارها مستقيلة . لكن ظاهر الحال يشير الى ان عدد الوزراء الذين يُحتمل اتخاذهم هذه الخطوة لا يتجاوز الستة ، فيبقى احتمال إقدام رئيس الحكومة نفسه على الاستقالة وارداً وإن كان مستبعَداً.
لنفترض ان الرئيس سلام استقال واصبحت الحكومة وفق الفقرة "أ" من المادة 69 مستقيلة ، فما هو وضعها من الناحيتين الدستورية والسياسية ؟
يسمّي رئيس الجمهورية ، بحسب المادة 53 من الدستور ، رئيسَ الحكومة وهو من يُصدر منفرداً مرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة . غير ان سدة رئاسة الجمهورية شاغرة في الوقت الحاضر ، فلمن يُقدّم الرئيس سلام استقالته ؟ هـل يقدّمها لنفسه كونه رئيس مجلس الوزراء الذي تُناط به ، بحسب المادة 62 من الدستور، صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلوّ سدة الرئاسة ؟
اذْ يبدو هذا الامر مثيراً للإستغراب ، وربما للتهكم ، فقد أفتى احد الباحثين الدستوريين بأن يكتفي رئيس الحكومة في هذه الحالة بإعلان إستقالته فتكتسب مفعولاً دستورياً.
حسناً ، لنفترض ان الرئيس سلام اعلن استقالته ، فهل تُعتبر حكومته مستقيلة ؟
ان الفقرة 4من المادة 64 من الدستور تولي رئيس الجمهوية صلاحية توقيع المرسومٍ القاضي بـِ "قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة". لكن الدولة ، حاليّاً، بلا رئيس جمهورية ليصدر مرسوم قبول استقالة رئيس الحكومة او إعتبار الحكومة مستقيلة ، فما العمل ؟
سيكون امراً مضحكاً ان يُصدر مجلس الوزراء مرسوماً بتوقيع رئيسه يعتبر الحكومة بموجبه مستقيلة وهي التي اصبحت مستقيلة اصلاً بمجرد إعلان رئيسها استقالته سنداً للفقرة "أ" من المادة 69 من الدستور . وسيكون امراً اكثر إثارة للتهكم اذا ما قام رئيس الحكومة المستقيل بإجراء استشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة عملاً بالفقرة 2 من المادة 64 من الدستور !
لعل هذه المفارقة وحدها كافية لدفع الرئيس سلام الى الإمتناع عن الإستقالة. اما اذا فعل ، فربما يتوّخى بذلك ان يرفع عن نفسه اية مسؤولية سياسية في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به البلاد.
مع ذلك ، يبقى الرئيس سلام وحكومته مسؤولين حتى بعد اعلان استقالته واعتبار حكومته مستقيلة . ذلك ان العرف الدستوري يقضي ، سنداً لمبدأ استمرار الادارة وعدم جواز الفراغ في السلطـة ، بأن تبقى الحكومـة المستقيلة مولجة بـٍ "تصريف الاعمال العادية" لحين تشكيل حكومة جديدة.
ما مؤدى مصطلح تصريف الاعمال العادية ؟
ثار جدل طويل في لبنان وغيره حول مفهوم "تصريف الاعمال العادية". غير ان اجتهاداً لمجلس شورى الدولة (القرار رقم 614 تاريخ 1969/12/17) قضى بأن "الاعمال العادية تنحصر مبدئياً بالاعمال الادارية ، وهي الاعمال اليومية التي يعود الى الهيئات الادارية إتمامها ويتعلّق اجراؤها في الغالب على موافقة هذه الهيئات" (...) .
الى ذلك ، حظّر اجتهاد مجلس شورى الدولة على الحكومة المستقيلة ممارسة "الاعمال التصرفية التي ترمي الى إحداث اعباء جديدة او التصرف بإعتمادات هامة او إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة وفي اوضاع البلاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية تحت طائلة المسؤولية الوزارية ". لكنه استثنى من هذه الاعمال "التدابير الضرورية التي تفرضها ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام وامن الدولة الداخلي والخارجي ، وكذلك الاعمال الإدارية لتي يجب اجراؤها في مهلٍ محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط والإبطال" (...) .
قد يروق للرئيس سلام وبعض وزرائه الشطر الاخير من إجتهاد مجلس شورى الدولة ، فيعمد الى إجراء الكثير من الأعمال التصرفية التي ترمي الى "إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة وفي اوضاع البلاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية "، متذرعاً بظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام او بأمن الدولة الداخلي والخارجي. وقد يشجعه على ذلك غياب او تغييب رقابة مجلس النواب ودوره التشريعي بسبب تعطيل انعقاده في هذه الآونة.
في المقابل ، قد تستثير الاعمال التصرفية الخلافية للحكومة المستقيلة القوى السياسية المعارضة كما الجمهور الشبابي العابر للطوائف الناهض بتظاهرات حاشدة في بيروت والمناطق ، فتتسع بردود الفعل المتعاظمة حال النقمة والتمرد والعصيان على اهل النظام والضغوط الهادفة الى إحداث تغيير نوعي في البلاد ما قد يؤدي الى قيام مجلس النواب بإقرار قانون ديمقراطي للإنتخابات على اساس التمثيل النسبي ضمن دائرة واحدة تشمل البلاد برمتها ، وبالتالي إجراء انتخابات عامة يتأتى عنها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية من البرلمان الجديد وإنبثاق حكومة وطنية جامعة عنه.
يبقى سؤال : ماذا سيختار اللبنانيون ، مسؤولين ومواطنين ، لأنفسهم ولبلادهم على مفترق التحوّلات التي تعصف بالمنطقة في هذه الآونة ؟