متى يصبح "داعش" خطراً عالمياً ؟
د. عصام نعمان
لا اتفاق بين الحكومات والمجتمعات والتنظيمات وأجهزة الإستخبارات وقادة الرأي في العالم على تقويم تنظيم "داعش" . فريق يعتبره خطراً هائلاً على الدولة والمجتمع والامن القومي والنسيج الإجتماعي والقيم الإنسانية. فريق ثانٍ يعتبره خطراً لكنه قابل للإحتواء والمعالجة ولا ضرورة لتضخيم تأثيره وفعاليته . وثمة فريق ثالث لا يرى فيه خطراً بل يعتبره ظاهرة طارئة لها خصوصية مردّها ظروف استثنائية يمرّ بها بعض المجتمعات والجماعات والتنظيمات.
الفريق الاول يشنّ على "داعش" حرباً استباقية شعواء لتعطّيل قدراته قبل ان تتاح له فرص إستخدامها في عمليات وحشية ضد الإنسان والعمران وانجازات الحضارة في الماضي والحاضر.
الفريق الثاني يداري "داعش" ويعالجه بإجراءات احترازية لإحتواء حضوره ونشاطه وتحجيم اضراره.
الفريق الثالث لا يرى في "داعش" خطراً فحسب بل يرى فيه ايضاً حليفاً ورديفاً يمكن التعاون معه ضد اعداء مشتركين .
الواقع ان معظم الحكومات واجهزة الإستخبارات والجماعات المحافظة في اميركا واوروبا وعالم العرب والمسلمين تتوزع في تصنيف نفسها بين الفريقين الثاني والثالث . فهي إما متهاونة في احتواء "داعش" وتعطيل انشطته او هي متعاونة معه ميدانياً ضد حكومات وجيوش وتنظيمات يعتبرها الطرفان ، اي الحكومات المعنية و"داعش" ، خطراً او عدواً مشتركاً. أليست حكومة تركيا حليفة "داعش" في وجه وحدات الكرد السوريين في محافظتي الحسكة والرقة المتعاونين مع الجيش السوري ؟ ألم تدعم تركيا ، قبل ذلك ، "جيش الفتح" (بقيادة جبهة "النصرة" المصنّفة ارهابية لدى الولايات المتحدة ) لإستيلاء على معظم محافظة ادلب في شمال غرب سوريا ؟ ألم يغضّ طيران "التحالف الدولي" النظر عن ارتال "داعش" وهي تزحف عبر البادية لتسيطر على تدمر السورية ، مدينةً وآثاراً ؟ ألم يسّمِ نائب الرئيس الاميركي جو بايدن واعضاء بارزون في مجلس الشيوخ مراراً دولاً خليجية عربية بأنها تدعم تنظيمات ارهابية بالمال ودعوها الى وقف عملية التمويل والدعم ؟
يعتقد بعض المراقبين ان ثمة تحوّلاً مرتقباً في مواقف اطراف الفريقين الثاني والثالث المنوّه بهما من "داعش" ومن مسألة دعم التنظيمات الإرهابية سيظهر قريباً وذلك نتيجةَ الضربات المدوّية التي سددها "داعش" واخوته ضد المدنيين والسوّاح في تونس ، وضد المصلّين في الكويت ، وضد القضاء المصري بشخص النائب العام هشام بركات ، وضد مواقع الجيش والشرطة في سيناء التي ذهب ضحيتها في الدول الثلاث مئات الشهداء والقتلى والجرحى من المواطنين والاجانب.
التحوّل المرتقب ليس اكيداً. حتى لو تحقق فإنه سيكون في مرحلته الاولى على الاقل ، محدوداً لأسباب وكوابح عدّة ابرزها ثلاثة:
اولها ، ان الدول المعنية ، بشكل او بآخر ، بمواجهة الإرهاب ، يخوض معظمها حروباً ضد أنظمة اقليمية وجماعات قومية او مذهبية يعتبرونها اشد خطراً من "داعش" واخوته ، بل يتحالفون مع تنظيمات ارهابية في مقاتلتها وذلك على النحو الذي يجري في سوريا والعراق واليمن .
ثانيها ، ان الدول الكبرى ، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، تنظر الى مسألة الإرهاب ومعالجته من زاوية مصالحها الدولية والإقليمية ما يجعلها تتريث في حسم مواقفها من "داعش" وسائر التنظيمات الإرهابية ، ولاسيما تلك التي تتعاون معها ، بشكل او بآخر، بإنتظار تبلّور الاثمان اوالمكاسب التي ستستحصل عليها لقاء فك ارتباطها بتلك التنظيمات . تركيا ، مثلاُ ، وظّفت جهوداً سياسية وعسكرية كبيرة في محاربة سوريا ولن تقطع صلتها بـِ "داعش" و"النصرة" وامثالهما ما لم تستحصل على التعويض السياسي او الإستراتيجي المناسب . مثلها الولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربية التي وظّفت جهوداً واموالاً واسلحة في حملتها على القوى المتحالفة مع ايران في المنطقة ، ولا تريد ان تخرج من هذا الصراع خالية الوفاض.
ثالثها ، ان مسألة مواجهة الإرهاب لا يمكن فصلها عن مسألة المفاوضات الناشطة بين مجموعة دول 5+1 وايران بشأن التوصل الى اتفاق نووي نهائي . ذلك ان تداعيات وبالتالي تسويات وربما تحوّلات يمكن ان تنجم عنه ما يستدعي وضعها في الحسبان قبل البت في مسألة مواجهة الإرهاب . ان التوصل الى اتفاق مع ايران سيؤدي ، بطبيعة الحال ، الى رفع العقوبات عنها وايفائها اموالها المجمدة البالغة 30 الى 50 مليار/بليون دولار. من شأن هذا التطور تعزيز قدرات ايران المالية وبالتالي إلتزامها المعلن بدعم حلفائها الإقليميين ، مادياً وعسكرياً. ذلك سينعكس بالضرورة سلباً على حلفاء اميركا ودول الخليج الامر الذي يتطلب اجراء محادثات وتسويات بين الاطراف ذات الصلة قبل نضوج استعداد بعضها او كلها الى البتّ ايجاباً بضرورة الإنخراط جدّياً في مواجهة الإرهاب بعدما طاولت اذرعته العديد من الدول والساحات في الشرق والغرب.
غني عن البيان ان التأخير في تعبئة الجهود ، جميع الجهود الإقليمية والدولية ، لمواجهة الإرهاب سيوسع من فرص "داعش" واخوته في استغلال التناقضات والإختلافات بين الدول والقوى المتضررة من الإرهاب ، فيوسّع تالياً نطاق وفعالية ضرباته المدوّية ضدها . لذلك لن تنجح مواجهة الإرهاب ما لم تصبح مواجهةً عالمية . وهي لن تصبح عالمية ما لم يصبح "داعش" واخوته خطراً عالمياً.
السؤال المطروح اذاً : متى يصبح "داعش" خطراً عالمياً ؟ الجواب : عندما تتمكن الدول والقوى المتضررة ، دونما تأخير ، من التوصل الى معالجات وتسويات للاسباب والكوابح الثلاثة السابقة الذكر.