اميركا وايران
تمديد المفاوضات يعني تمديد الحروب
د. عصام نعمان
ليس امراً غريباً ان تجد الولايات المتحدة صعوبةً في تجنيد سوريين لتدريبهم وتزويدهم اسلحةً لمقاتلة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش". لكن الغريب ان يقرّ وزير دفاعها اشتون كارتر بذلك علناً امام الكونغرس الاميركي وبالتالي امام العالم اجمع .
ما الدافع لفعلة كارتر ؟
ثمة تفسيرات وتأويلات متعددة ، منها :
· إنه لتبرير خفض ميزانية وكالة الإستخبارات المركزية ((C.I.A المخصصة لهذا الغرض (فقط بليون/مليار دولار!) وذلك بنسبة 20 في المئة، وأن ما حصل هو مقدمة لوقف برنامج التدريب برمته .
· إنه تمهيد للإستغناء عن مقاتلة "داعش" براً وايكال المهمة الى جبهة "النصرة" ، التنظيم الأقدر والافعل في هذا المجال ، من اولئك الذين تجندهم وكالة الإستخبارات المركزية وتدربهم وتدفعهم ، متهيبين ، الى ميادين القتال.
· إن الإعتماد على جبهة "النصرة" في مقاتلة "داعش" يساعد واشنطن على تبييض سجل الجبهة وتبرئتها من تهمة الإرهاب وازالة اسمها تالياً من قائمته المعتمدة عالمياً.
· إنه ، تأسيساً على كل ما تقدّم ، يصبح بالإمكان تكريس حبهة "النصرة" جيشاً رسمياً لـِ "المعارضة السورية المعتدلة" (بعد دمج بقايا "الجيش الحر"
في ألويته) ما يمكّن الجبهة من ولوج قاعة المفاوضات في جنيف-3 بقوة وثقة.
لكن ، هل من مفاوضات أصلاً في المستقبل المنظور ؟
ثمة مساعٍ وجهود مكثفة في هذا السبيل تقودها واشنطن مع موسكو كما مع كلٍ من الرياض وانقرة . غير ان صعوبات جمّة تكتنف هذه المساعي. فواشنطن تظن، بدلالةِ ما قاله كارتر للكونغرس، "أن سقوط نظام الاسد ممكن لأن قواته تعرضت لخسائر كبيرة" ، لكنها تبدو غير واثقة من قدرتها وحلفائها على إزاحة الرئيس السوري بدليل ما قاله كارتر تحديداً بأن "انسحاب الأسد بنفسه من الساحة سيكون افضل للشعب السوري". فهل يعقل ان ينسحب الاسد كرمى لعينّي اميركا ؟
بصرف النظر عن عدم واقعية وعدم مشروعية ما تقرره واشنطن لجهة ما هو "أفضل للشعب السوري" ، فإن ثمة حقائق ثلاثاً تجعل من تقييمها الآنف الذكر ضعيفاً ، إن لم يكن مستبعداً :
الاولى ، "ان الجيش السوري ما زال يمسك بقوة بالمفاصل الرئيسية للدولة رغم الاوضاع الصعبة التي تواجه البلاد ، ورغم حملة الشائعات التي تستهدفه" ، كما اكد مسؤول ايراني رفيع لصحيفة "السفير" (15/6/2015).
الثانية ، ان المسؤولين الإيرانيين يؤكدون دائماً انهم يتابعون الدعم بشكل اكبر لسوريا ولجيشها. وقد تبدّى ذلك بشكلٍ لافت مؤخراً .
الثالثة ، ان ما رَشَح من اللقاء الذي تمّ اخيراً بين نائب وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان والمسؤولين الروس يؤكد ، بحسب ما قاله هذا الاخير، "اتفاقَ وجهات النظر حول الاسد ، وان الادارة الاميركية نفسها تشعر بالقلق من بدائل للاسد لأن اقرب بديل له هو داعش".
الى ذلك ، يتابع الاميركيون مساعيهم مع الروس للتوصل الى تفاهم بشأن صيغة حل سياسي للصراع المحتدم تكون مقنعة لجميع الأطراف المتصارعة كي توافق على الإنتقال الى طاولة المفاوضات في جنيف . يعلّل الاميركيون مطالبتهم بتنحي الأسد بأنها مخرج لترضية التنظيمات الإسلامية المسلحة وإقناعها بجدوى وقف القتال والتوجّه الى جنيف . ثم يعوّضون موقفهم السلبي من الأسد بالقول إنهم متمسكون بالحفاظ على الجيش السوري متماسكاً ليبقى للدولة السورية عمود فقري ، وان هذا هو الدرس الذي استخلصوه من قرارهم الخاطيء بحلِّ الجيش العراقي بعد احتلالهم بلاد الرافدين .
الروس ما زالوا يشاطرون الإيرانيين رأيهم بأن لا بديل للرئيس بشار الأسد إلاّ "داعش" وان لا مسوّغ تالياً للتخلي عنه في الوقت الحاضر. كما تَرَدَدَ ان موسكو ، اذْ تتمسك ببقاء الأسد فهي لا تمانع في التوصل مع اللاعبين الكبار الى صيغة مقبولة حول الهيئة الإنتقالية لإدارة الحكم المنصوص عليها في بيان جنيف -1. ولكن ، هل يبقى موقف الروس على ما هو عليه بعد صفقة الـ 9 مليارات دولار التي عقدوها مع السعوديين لقاء التعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ؟
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية كشفت ان المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان تناولت مسائل عدّة بينها صفقات اسلحة ولاسيما منظومة صواريخ "اسكندر" البالستية. غير ان حرْص بوتن على الإعلان ، قبل مغادرة ضيفه السعودي الارض الروسية بأن التمسك بالأسد هو احد ثوابت سياسة بلاده ، أسقط إحتمـال وجود صفقـة روسية – سعودية على حساب سوريا.
مدير برنامج الخليج في "معهد واشنطن" سايمون هندرسون اشار الى ان "الرئيس الروسي يرغب في توسيع الخلافات بين الرياض وواشنطن بصورة اكبر على اساس الحكمة المستمدة من توصل الأخيرة الى اتفاق نووي مع ايران"، وذلك في اشارةٍ الى استفادة روسيا من التقارب الاميركي– الإيراني المرتقب وتخوّف الرياض منه.
كل هذه التوقعات مبنية على احتمال التوصل الى اتفاق نووي نهائي بين الولايات المتحدة وايران قبل آخر الشهر الجاري . لكن مواقف وتصريحات كِلا الجانبين تشير الى وجود صعوبات وعقبات تكتنف المفاوضات الجارية حالياً في فيينا.
الى اين من هنا ؟
الجواب : إذا تعذّر التوصل الى إتفاق نهائي وجرى تمديد المفاوضات بين الجانبين الى ما بعد آخر الشهر الجاري ، فمعنى ذلك ان المشهد السوري كما المشهدين العراقي واليمني ستضج مجدداً بمزيد من الحروب.