معنى " الحفاظ على تفوق اسرائيل العسكري"...
د. عصام نعمان
"اسرائيل" هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط. تمتلك ، على الأرجح ، اكثر من 200 رأس نووي. ذلك ، وحده ، يجعلها الاقوى عسكرياً وتكنولوجياً بين دول المنطقة.
الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة ، لكنها تنكرها . الدليل ؟ ما اعلنه اخيراً نائب الرئيس الامريكي جو بايدن بأن واشنطن ستقوم بإمداد "اسرائيل" بطائرات مقاتلة جديدة من طراز اف -35 "لمساعدتها على الحفاظ على تفوّقها العسكري في الشرق الاوسط".
بايدن كشف ذلك في سياق كلمة ألقاها خلال حفل اقيم في واشنطن في مناسبة الذكرى الـ 67 لـِ "استقلال " دولة "اسرائيل". قيمة الطائرات الـ 14 التي سيحصل عليها الكيـان الصهيوني تربو على 3 مليارات /بلايين دولار ما يجعله الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك هذا النوع المتطور من الطائرات الامريكية المقاتلة.
ما معنى "الحفاظ على تفوّق "اسرائيل" العسكري في الشرق الاوسط؟
كثيراً ما كان المسؤولون الامريكيون يرددون ان المقصود بذلك الحفاظ على تفوق "اسرائيل" على الدول العربية مجتمعة. لكن الدول العربية ليست "مجتمعة" ولا متفقة بل هي في حال شقاق وخصام ويعاني معظمها حروباً اهلية واضطرابات امنية ما يجعلها عاجزة عن التضامن في ما بينها وبالتالي غير مؤهلة البتة لتشكيل تهديد جدي لـِ "اسرائيل".
هل المقصود ايران ؟
لو كانت ايران اقوى من "اسرائيل" لمَا كانت الولايات المتحدة تفاهمت معها بشأن برنامجها النووي. ثم ، ألم يعلن الرئيس باراك اوباما ، في سياق تأكيد إلتزام واشنطن صون امن "اسرائيل" ، استعداده لعقد معاهدة دفاع مشترك معها؟
ايّاً ما كـان دافع الولايات المتحـدة من وراء تزويدها "اسرائيل" طائرات اف -35 وتبريرها ذلك بـِ "الحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة" ، فإن ثمة نتيجة سياسية سرعان ما تتكشّف جرّاء ذلك وهي انها مظهر مزيدٍ من التصلب الصهيوني ورفضٍ لإعطاء الفلسطينيين ايّاً من حقوقهم ومطالبهم في المفاوضات ، اذا كان اصلاً ثمة مفاوضات . ذلك ان بنيامين نتنياهو سيفسر هذه "الهدية" من اوباما بأنها تراجع عن ضغوطه السابقة عليه لوقف عمليات الإستيطان بغية تشجيع السلطة الفلسطينية على استئناف المفاوضات.
ليس ادل على ارجحية هذا التفسير من قيام دائرة اراضي "اسرائيل" ، بإيعازِ من نتنياهو غداة اعلان بايدن عن "هدية" الطائرات ، بنشر مناقصات (عطاءات)لإقامة 77 وحده سكنية جديدة خارج "الخط الاخضر" في حي " نفيه يعقوب" وحي "بسجات زئيف" في القدس الشرقية.
تعقيباً على تكثيف الإستيطان في القدس ، قالت حركة "السلام الآن" الاسرائيلية إن هذا اول اعـلان من نوعه منـذ الإنتخابات الإسرائيليـة التي جرت في منتصـف آذار/مارس الماضي ، واشارت الى ان نتنياهو يواصل نهجه الرامي الى احباط فرص السلام بدلاً من تغيير الإتجاه.
الهجمة الإستيطانية الإسرائيلية لا تقتصر على القدس والضفة الغربية بل شملت ايضاً ، بصيغة معدّلة ، اراضي فلسطين 1948، اي داخل الكيان الصهيوني نفسه ، ما أدى الى تعزيز موجة عداء واحتجاج واسعة ضد نتنياهو وفريقه اليميني المتطرف. فقد نظّم فلسطينيو العام 1948 ، منتصفَ الاسبوع، اضراباً عاماً احتجاجاً على سياسة الحكومة اليمينية العنصرية التي تقوم بهدم البيوت العربية بدعوى انها غير مرخصة.
الإضراب العام دعت اليه "لجنة المتابعة العليا لشؤون العرب في "اسرائيل" التي تنضوي فيها جميع الاحزاب العربية ، وشمل مؤسسات التعليم والمحلات التجارية في جميع المدن والبلدات والقرى الفلسطينية . وقد توّجت الإضراب تظاهرةٌ كبرى جرت لأول مرة في قلب تل ابيب ، وليس الناصرة او مدينة عربية اخرى كما جرت العادة ، وذلك لإسماع صوت الجماهير الفلسطينية وايصاله الى الرأي العام في كل انحاء العالم .
اما في قطاع غزة ، فقد اعتبرت حركة "حماس" ان تقرير الامم المتحدة الذي حمّل الجيش الإسرائيلي مسؤولية شن سبع هجمات على مدارس تابعة لها أثناء الحرب على غزة الصيفَ الماضي ، يشكّل دليلاً قاطعاً على ارتكاب "اسرائيل" جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين ، ودعت مجلس الامن الدولي الى ادانتها و"جلب قادة الإحتلال القتلة الى المحاكم الدولية".
في الأمم المتحدة ، تضغط السلطة الفلسطينية على الحكومة الفرنسية من اجل تضمين مشروع القرار الذي تنوي تقديمه الى مجلس الامن بخصوص القضية الفلسطينية جدولاً زمنياً لإنهاء الإحتلال وليس مشروعاً تفاوضياً جديداً. ذلك ان مشروع القرار الفرنسي يدعو الى عقد مؤتمر دولي للسلام من اجل التفاوض على "حل الدولتين "، وفي حال عدم التوصل الى اتفاق خلال سنتين ، تعمل فرنسا ومعها الدول الاوروبية الحليفة على الإعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967.
وعود ، ومفاوضات ، وقرارات لفظية من مجلس الامن لا تجد طريقها ، منذ العام 1948 ، الى التنفيذ ، فيبقى الإحتلال جاثماً على صدور الفلسطينيين . كل ذلك في زمن رديء لا يجد العرب متسعاً من الوقت في غمرة الحروب الأهلية الدائرة في مختلف اقطارهم من اجل نصرة شعب فلسطين المشرد تحت كل كوب والذي تهدد "اسرائيل" ما تبقى منه الرازح تحت نير احتلالها بمصادرة ما تبقّى من ارضه وبيوته بالإستيطان او بالهدم بدعوى عدم ترخيصها!
ومع ذلك تشعر الولايات المتحدة بأن شعب فلسطين ما زال ، على ما يبدو، يشكّل خطراً على "اسرائيل" ما يستدعي تزويدها مزيداً من الطائرات المتطورة "للحفاظ على تفوقها العسكري في الشرق الاوسط"...