بإتفاق او بلا اتفاق
الصراع مستمر بين اميركا وايران...
د. عصام نعمان
بعد 12 سنة من المناقشات و16 شهراً من المحادثات المكثّفة منذ توقيع الإتفاق المؤقت بين ايران ومجموعة دول 5+1 في سنة 2013 ، تمكّن الاطراف السبعة في مفاوضات لوزان من التوصل الى اتفاق–إطار يقضي برفعٍ كامل للعقوبات عن ايران مقابل فرض رقابة دولية صارمة على برنامجها النووي السلمي ، على ان يستكمل الاطراف تفاصيله الدقيقة في صيغة اتفاق نهائي يقتضي انجازه قبل 30 حزيران/يونيو المقبل.
هل ينتهي النزاع بين الولايات المتحدة ، ومن ورائها "اسرائيل" ، وايران بمجرد توقيع الإتفاق النهائي المنشود ؟
الجواب : كلا ، لأن محور النزاع ليس قدرة ايران على تصنيع سلاح نووي او عدم تمكينها من ذلك بل تعاظم قدرات ايران في جميع المجالات ما يتيح لها ، بحسب دول الغرب الأطلسي و"اسرائيل" ، تهديد مصالحها وامنها ولاسيما في منطقة الشرق الاوسط.
هذه الدول تعتقد ان ايران اصبحت اقوى قوة اقليمية مركزية حتى من دون امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي ، وان امتلاكها هذا السلاح الإستراتيجي يضاعف قدراتها الامر الذي يستوجب حملها على توقيع اتفاق لا يحول دون امتلاكها اسلحة نووية فحسب بل يوفّر ايضاً لخصومها ومنافسيها الإجراءات والآليات اللازمة للحدّ من تنامي قدراتها ونفوذها ، ومعاقبتها اذا اقتضى الامر.
ايران ادركت هذه الحقيقة المحورية ، لذلك أبدت استعداداً لتقديم تنازلات لدول الغرب على الصعيد التقني كونها غير مهتمة بتصنيع سلاح نووي ، لكنها تصلّبت في مسألة رفع العقوبات الدولية والعقوبات الاميركية والاوروبية التي آذت اقتصادها وارهقت شعبها .
تتضح صحة هذا التحليل بتفحّص النقاط الثلاث التي تمحور عليها الخلاف في مفاوضات لوزان : مدة الإتفاق ، ووتيرة رفع العقوبات الإقتصادية ، والآلية اللازمة للعودة الى فرض العقويات على ايران مرة اخرى في حال خرقت تعهداتها. فدول الغرب تريد رفعاً تدريجياً للعقوبات يستمر على مـدى خمس سنوات ، وآلية متفق عليها تسمح بإعادة فرضها ، في حال خرق الإتفاق ، من دون العودة الى مجلس الامن الدولي ، وان تكون مدة الإتفاق 15 سنة على الاقل.
في المقابل ، اصرت ايران على رفع فوري وشامل للعقوبات المفروضة عليها عند توقيع الإتفاق النهائي ، وهي لا تريده اتفاقاً طويل الأمد ، وترفض ان تبقى لدول الغرب صلاحية فرض العقوبات ، بذريعة مخالفة الإتفاق ، من دون العودة الى مجلس الأمن الدولي.
حتى لو أمكن التوصل الى اتفاق نهائي يراعي هواجس اطراف النزاع ومطالبهم ، فإن دول الغرب ، ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا ومعها "اسرائيل"، لن تتوقف عن ممارسة الضغوط السياسية والإقتصادية والعسكرية على ايران في سياق تصميمها على الحدّ من تعاظم قدراتها في مختلف المجالات. كما ان ايران لن تتوقف ، من جهتها، عن ممارسة ضغوط مماثلة لثني خصومها عن متابعة حملة انهاكها.
ربما تتجلّى ضغوط دول الغرب اكثر ما يكون في مثابرتها على إضعاف حلفاء ايران الإقليميين : سوريا وقوى المقاومة الفلسطينية ("حماس" و"الجهاد الإسلامي") وقوى المقاومة اللبنانية (حزب الله) وتحالف القوى اليمنية المناهضة للسعودية (الحوثيون وحلفاؤهم).
في المقابل ، قد يتركّز هجوم إيران المضاد على دول الغرب و"اسرائيل" بمثابرتها على دعم سوريا والعراق وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية المعادية لتنظيمات "داعش" وجبهة النصرة وغيرهما من القوى الإسلاموية المتطرفة ولا سيما تلك التي تتلقى دعماً من تركيا وبعض دول الخليج.
مع ذلك ، يمكن التساؤل: هل يُفضي الإتفاق بين دول الغرب وايران الى تسوية معها تؤدي الى تنفيس الصراعات التي تعصف بسوريا والعراق واليمن وليبيا ؟
ليس في المستقبل المنظور . ذلك ان الامر يتوقّف على خمسة اعتبارات متداخلة ومتناقضة :
الاول ، مدى استجابة الإتفاق النهائي المنتظر لهواجس ومصالح الدول التي ستوقعه، ولا سيما الولايات المتحدة وايران.
الثاني ، موقف حلفاء الولايات المتحدة الاقليميين ، ولاسيما السعودية من جهة و"اسرائيل" من جهة اخرى ، من الإتفاق ومفاعيله وانعكاساته على سياساتهم ومصالحهم في شتى دول المنطقة واسواقها .
الثالث ، تداعيات الإتفاق على مصالح لاعبَين اقليميين اساسيين : تركيا التي لها سياسة "عثمانية" توسعية في بلاد الشام وبلاد الرافدين ، ومصر التي تحاول إعادة بناء نفسها اقتصادياً واستعادة دورها العربي والاقليمي استراتيجياً .
الرابع ، مواقف قوى المقاومة العربية من جهة والقوى الإسلاموية السلفية المتطرفة ("داعش" واخوته) من جهة اخرى ، ومدى استجابة الإتفاق ومفاعيله لهواجسها واهدافها ومصالحها .
الخامس ، موقفا روسيا والصين اللتان لهما مصالح وتحالفات في المنطقة الامر الذي يحملهما على المشاركة ، سلباًً او ايجاباً ، في الصراع الذي سيعقب الإتفاق النهائي وما يمكن ان يفرزه من فرص او تحديات لمصالحهما ومصالح حلفائهما الاقليميين .
مرحلياً ، يستطيع باراك اوباما القول إن ما تحقّق في لوزان هو "تفاهم تاريخي" ، كما يستطيع حسن روحاني القول إنه امكن التوصل الى اتفــاق "رابح-رابح" بين الطرفين. لكن ما لم تتخلَ كل من اميركا وايران عن اهدافهما الإستراتيجية المتعارضة في المنطقة او ترتضيان تحجيمها ، فإن الإتفاق النهائي المنشود لن يطفىء نار التناقضات بين الطرفين بل سيدشن فصلاً جديداً من الصراع في منطقةٍ غارقةٍ اصلاً في صراعات مزمنة.