من الرهان على العدو الى الإعتماد على النفس
د. عصام نعمان
كثيرون بين العرب ، مسؤولين ومواطنين ، راهنوا على فوز خصوم بنيامين نتنياهو في الإنتخابات الإسرائيلية. غشتهم ، كما معظم الإسرائيليين ، استطلاعات الرأي العام التي رجّحت هزيمته. لو انهم قرأوا تصريحات زعيم حزب "الليكود" وخصمه زعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ لَما كانوا راهنوا على ايٍّ منهما. فالسياسيان الصهيونيان عنصريان من الدرجة الاولى ومتشابهان في عدائهما للفلسطينيين والعرب، وسياستهما تكاد تكون واحدة في ترسيخ الإستيطان ورفض ما يسمى " حل الدولتين ".
نتنياهو تعهد عشية الإنتخابات بإستمرار حملة الإستيطان في جميع انحاء القدس . اكد انه لن تقام دولة فلسطينية في حال انتخابه. هرتسوغ تعهد بأن تبقى القدس موحدة ضمن اي تسوية للنزاع مع الفلسطينيين ، وان الكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية ستظل تحت السيادة الإسرائيلية. قال إنه سيصدّ اجراءات الفلسطينيين احادية الجانب ، اي اللجؤ الى المحكمة الجنائية الدولية والإنتماء الى سائر الوكالات الاممية والمعاهدات الدولية.
أيُّ فارق بين الرجلين يسمح للفلسطينيين والعرب بأن يراهنوا على أيٍّ منهما؟
لا فارق يذكر . ذلك ان المشروع الصهيوني يبتغي ابتلاع كل فلسطين التاريخية ولن يحتمل اي دولة للفلسطينيين بين النهر والبحر. ثم لماذا يتنازل الصهاينة للفلسطينيين وهم ، كما العرب ، على هذه الدرجة من النزاع والشقاق والنفاق والضعف والفوضى؟
يعزّي بعض الفلسطينيين والعرب انفسهم بأن "اسرائيل" مقبلة على ازمة سياسية خطيرة بسبب التعادل النسبي بين قوى اليمين واليسار في الكنيست ما يجعل الإتفاق على تأليف حكومة مستقرة امراً بالغ الصعوبة. هذا "الامل" الخائب مصدره استمرار البعض في الرهان على العدو بشكل او بآخر . غير ان الخيبات المتكررة التي انتهت اليها الرهانات السابقة دفعت بعضهم الآخر ممن لم يراهن يوماً على العدو الى الجهر مجدداً بالدرس الذي يجب استخلاصه من تجارب الماضي و... رهاناته.
لعل ابرز هؤلاء القائد الوطني الدكتور مصطفى البرغوثي الذي جزم بأن الامثولة المستفادة من نتائج الإنتخابات الإسرائيلية هي سقوط الرهان على اوسلو، اي على المفاوضات مع الكيان الصهيوني ، وان الخيار الوحيد المطلوب هو تغيير ميزان القوى مع العدو بالكفاح والمقاومة والمقاطعة والوحدة.
كبير المفاوضين الفلسطينيين والناطق بإسم السلطة الفلسطينية صائب عريقات سارع الى تقديم النهج البديل لفريقه الذي خيّبت الإنتخابات الإسرائيلية امله بفوز خصوم نتنياهو . قال إن السلطة سوف تفعّل خيار اللجؤ الى المحكمة الجنائية الدولية بعدما إختارت "اسرائيل" الإستيطان وضرب "حل الدولتين". حسناً ، ولكن هل يكفي سلوك هذه الطريق لمواجهة كيان عنصري مغتصب جدّد جمهوره لزعمائه تفويضاً مطلقاً بتوسيع الإستيطان ورفض الإقرار للفلسطينيين بدولة مستقلة ولو على فتات وطن مسروق؟
منذ العام 1948 واجه العرب ، نظرياً ، تحدي الكيان الصهيوني . منذ صيف 2013 يواجه العرب ، نظرياً ايضاً ، تحدياً آخر هو "الدولة الإسلامية – داعش". لم يستجب العرب للتحدي الصهيوني بمواجهة متكاملة ، فتجذّر كيانه بمزيد من الإستيطان والتوسع. هل يمضي العرب في عدم الإستجابة لتحدي"داعش" فيتجذّر ويتوسع لتصبح الامة محاصرة بين فكي كماشة من الغرب والشرق؟
لا يعادل خطورة عدم الإستجابة للتحديين وعدم مواجهتهما إلاّ خطورة التحالف مع جماعة احد التحديين ضد آخر ثالث يخيّل لبعض العرب السادرين في غيبوبتهم انه أقوى وأخطر من التحديين الاول والثاني! بهذا الموقف تصبح بلاد العرب نهباً لكل التحديات والاخطار.
الى ذلك كله ، تقوم في معظم بلاد العرب تحديات داخلية تستقطب اهتمام مسؤوليها ومواطنيها فيسرح اعداء الامة ويمرحون على إمتداد وطنها الكبير ولا من وازع ولا رادع.
أمَا لليلِ العُرْب آخر؟
هذا السؤال ليس برسم العامة بل برسم الخاصة ، الخاصة بمعنى اهل النخبة المفكّرة لدى القوى الوطنية الحية الصاحية ، الملتزمة قضايا امتها ، والناهضة الى معالجتها ومواجهتها بإرادة مصممة وعقل وعلم وتخطيط ومثابرة ، ونشدان للحرية والكرامة والعدل ، وبنهج الشورى والديمقراطية وقبول الآخر واحترامه.
تنهض القوى الحية الى الإضطلاع بمهامها التاريخية او يتهددها وامتها الموت البطيء غير الرحيم تحت سنابك الصهاينة والدواعش.
اين المفر؟