التحالف الدولي" للحرب في السماء
و"القوة العربية المشتركة" على الارض...
د. عصام نعمان
اعلن الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية احمد بن حلي ان اقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة "للإسهام في صون الامن القومي العربي وحمايته سيكون في صدارة جدول اعمال القمة العربية المقرر انعقادها في 28 و 29 الشهر الجاري في القاهرة". اضاف ان "هذا الاقتراح ينطلق من مرجعيات عربية عدّة كمعاهدة الدفاع العربي المشترك ، وميثاق جامعة الدول العربية ، واتفاقية الرياض للتعاون القضائي ، بالإضافة الى الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب".
اعلان بن حلي يمثل في الواقع استجابة سريعة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى تشكيل قوة عربية موحدة عقب الضربة التي كالها سلاح الجو المصري للتنظيمات الإرهابية التي قطعت رؤؤس 21 مصرياً قبطياً عاملاً في ليبيا . تردّد ايضاً ان دعوة السيسي جاءت نتيجة زيارته الاخيرة للرياض ومباحثاته مع المسؤولين السعوديين المتخوفين من تداعيات ما يجري في اليمن.
تنطوي الدعوة الى تشكيل قوة عربية مشتركة على دلالة لافتة هي ان الإرهاب لا يقتصر بمفاعيله على سوريا والعراق بل اضحى تهديداً مباشراً ومعاناة يومية في معظم بلاد العرب. فوق ذلك ، لصدور الدعوة الى تشكيل قوة عربية مشتركة عن الرئيس المصري دلالة اضافية بالغة الدلالة تتصل بالصراع المحتدم في المنطقة ومن ضمنه مساعي الولايات المتحدة لبناء نظام اقليمي جديد على انقاض النظام العربي المنهار قوامه تركيا ومصر والسعودية و... "اسرائيل".
الغاية من النظام الجديد مزدوجة : مواجهة الإرهاب ، ومواجهة ايران . ذلك ان التوصّل الى اتفاق مع ايران بصدد برنامجها النووي لا ينهي مخاطرها المتوقعة على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بل يستوجب ، في حسبانهم ، إقامة تحالف فيما بينهم لإحتوائها كقوة مركزية اقليمية صاعدة والحؤول تالياً دون تمدد نفوذها . فالإرهاب ، في مفهوم الولايات المتحدة وحلفائها ، اثنان : واحد سنّي يمثله "داعش" واخواته ، وآخر شيعي تمثله ايران .
تحاول تركيا اردوغان تزعّم مجموعة الدول العربية والإسلامية المناهضة لما تسميه "الإرهاب الشيعي " . مصر السيسي ترفض مطامح تركيا ومطامعها لسببين : الاول ، لأنها تشعر بوطأة ما يسمى "الإرهاب السني" الذي يواجهها بفعالية في سيناء من الشرق وفي ليبيا من الغرب ، ناهيك عن وكيله "المحلي" المتمثّل بالاخوان المسلمين داخل مصر . الثاني ، لأنها تعتبر نفسها ، بحق ، كبرى الدول العربية وبالتالي اكثرها اهلية للإضطلاع بدور إستراتيجي قيادي في المنطقة قبل تركيا وبعدها.
اذ تنتدب مصر السيسي نفسها لدور عربي واقليمي إستراتيجي ، تُلاحظ قيادتها ان تركيا و"اسرائيل" تنخرطان ، بمقادير متفاوتة ، في دعم "الإرهاب السني" المتمثل بـِ "داعش" واخواته في سوريا والعراق ، وتتحالفان سياسياً وإستخبارياً مع الولايات المتحدة في مواجهة ايران المتّهَمة بدعم الإرهاب الشيعي. لمعالجة هذه المعضلة اجترحت مصر السيسي استراتيجية متكاملة قوامها التمسك بوحدة سوريا والعراق في وجه "داعش" واخواته والدعوة الى حل سياسي للصراع الدائر فيهما وعليهما في آن من جهة ، والإضطلاع بحماية امن دول الخليج من جهة اخرى.
لا غلوّ في القول إن حُسن تنفيذ هذه الإستراتيجية مشروط بتحقيق انجازات ثلاثة:
اولاً ، اعتبار "داعش" واخواته الخطر الاول الذي يهدد الامة في المرحلة الراهنة ما يستوجب توحيد جهود الدول العربية ، ولاسيما السعودية وشقيقاتها الامارات الخليجيات ، لمواجهته ودحره في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن.
ثانياً ، مواكبة المواجهة الامنية لـِ "داعش" واخواته بمواجهة سياسية قوامها تنظيم حوار وطني موسع في كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن والبحرين لتوليف حلول سياسية للصراعات المحتدمة فيها تقود الى اعادة بناء دولها على اسس مدنية ديمقراطية تكفل الامن وحكم القانون والعدالة والتنمية .
ثالثاً ، بناء علاقات سياسية وإقتصادية وثقافية مع ايران قوامها التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار في اطار الامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والهيئات القارية ذات الصلة ، والتنسيق معها في حملة عالمية لنصرة شعب فلسطين ضد العدو الصهيوني الإستيطاني الإقتلاعي ومن اجل اقامة دولته الوطنية السيدّة على كامل ارضه.
في هذا السياق ، يمكن التوافق على تشكيل قوة عربية مشتركة قوامها الاساس قوات مصرية ، تتولى مواجهة اعداء الامة على امتداد القارة العربية ، ولاسيما الخطر الاول المتمثل مرحلياً بالإرهاب المتعدد التنظيمات والاغراض والمسالك والمدعوم من قوى خارجية طامعة.
لقد بات واضحاً ان "التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب" اخفق في مواجهة "داعش" واخواته في حربه عليه وعليها من السماء. هذا يشكّل بذاته مسوّغاً ودافعاً مشروعين لتشكيل قوة عربية مشتركة تواجهها جميعاً على الارض.
آن اوان الخروج من الامن الاجنبي المستعار الى الامن العربي القومي الحارس للوجود والحدود والقدرات والطموحات.