نحو تحالف اقليمي رباعي الدفع بمصر او بدونها ؟
د. عصام نعمان
هل ما جرى ويجري في ملاعب المنطقة من احداث هو نتيجة مخططات مسبقة رسمها لاعبون دوليون واقليميون ام تداعيات وقائع ميدانية في مسارح الصراع؟
لعله نتيجة الامرين معاً ويشير الى حقيقة لافتة هي ان الولايات المتحدة لاعب رئيس في لعبة الامم وألاعيبها ، وان دورها مركزي في حلبة الصراع.
ماذا تريد الولايات المتحدة ، وماذا يريد سائر اللاعبين ؟
للولايات المتحدة مخطط بثلاثة اهداف: تعزيز مصالحها وحمايتها ، وصون امن "اسرائيل" ، ومجابهة مخططات منافسيها واعدائها وتحركاتهم .
"اسرائيل" حليف عضوي للولايات المتحدة ، تليها في الاهمية الإستراتيجية تركيا ثم الدول العربية المنتجة للنفط. وإذ تخاف "اسرائيل" ايران وتعاديها فإن الولايات المتحدة تحاول احتواء نفوذ طهران السياسي وقدراتها الإستراتيجية مع قابلية لخفض توصيفها من عدو الى منافس وذلك في حال التوصل معها الى تسوية بشأن برنامجها النووي.
اميركـا تعتبر سوريـا وقوى المقاومة العربيـة ، ولاسيما حـزب الله اللبناني وحركتي "حمــاس" و"الجهاد الإسلامـي" الفلسطينيتين ، اعداء استراتيجيين لها ولـِ "اسرائيل" . لذا تستهدف دورهم ووجودهم .
خلافاً لما يشاع ويذاع ، ليست انتفاضات ما يسمى "الربيع العربي" من صنع الولايات المتحدة ، لكنها سارعت الى اختراق مختلف مستوياتها القيادية في الأقطار التي عانت فصولها المحزنة ، كما لم تتوانَ عن استغلال تداعياتها السياسية والميدانية لدعم مخططها الإستراتيجي بأهدافه الثلاثة المنوّه بها .
بعد انتفاضات "الربيع العربي" يمكن توصيف مخططات وسياسات حلفاء الولايات المتحدة وخصومها الإقليميين على النحو الآتي:
لـِ " اسرائيل" مخطط استيطاني توسعي قوامه السيطرة على كامل فلسطين التاريخية من البحر الى النهر ، وإيجاد وطن بديل لشعبها المشرد والمشتت في نطاق الاردن ، واستغلال التعددية القبلية والمذهبية والأثنية الراسخة في سوريا والعراق لتفكيكهما الى دويلات وجمهوريات موز وفق عناصر التعددية المار ذكرها ليصبح الكيان الصهيوني ، بحسب تقدير قادته ، اقوى قوة اقليمية مركزية في المنطقة.
لتركيا اردوغان حلم عثماني ومخطط سياسي . الحلم ينطوي على حنين الى السلطنة الذاوية ، والى الخلافة ايضاً ، ونزعة لإستعادة "ولاياتها" العربية القديمة. مخططها يرمي الى تزعّم التيار الإسلامي "الوسطي" في عالم العرب المتمثل بجماعة الاخوان المسلمين وتفرعاتها ، واعتماده قاعدةً شعبية داعمة لسياساتها في دول المشرق والمغرب ولاسيما سوريا والعراق ولبنان وفلسطين ومصر والسودان وليبيا.
للإتحاد الاوروبي عموماً سياسة واقعية قوامها بناء علاقات سياسية واقتصادية مجزية مع الدول العربية ، وتوسيع مجالات التعاون والتبادل معها . غير ان فرنسا وبريطانيا من بين دوله تنفردان بسياسات عدائية لقوى المقاومة العربية .
لسوريا نهج سياسي قديم ومتجدد قوامه الإلتزام بوحدة العرب القومية ، وبتحرير فلسطين ، وبإحتضان قوى المقاومة العربية ، وبنصرة قوى التحرر والسلام المعادية لسياسة الولايات المتحدة وحلفائها.
لدول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً سياسة قديمة محافظة قوامها حماية انظمتها ومواردها النفطية بالتعاون مع الولايات المتحدة ، ودعم الجماعات والقوى المحافظة في الدول العربية المجاورة ، ومجابهة ايران للحؤول دون امتداد نفوذها الى عالم العرب .
تضع الولايات المتحدة في حسبانها كل هذه المخططات والسياسات وما تنطوي عليه من مصالح ومطامع ، ولا سيما بعد صعود تنظيم "الدولة الإسلاميـة في العراق والشـام - داعش" واخواته في سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن ، وذلك في سياق جهودها الرامية لتنفيذ مخططها الإستراتيجي في المنطقة . وسواء كان "داعش" صناعة اميركية ، كما قال عضو هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية الجنرال لسلي كلارك ، او كان في الاصل احد تفرعات "القاعدة" ، فإن ثمة حقيقة ثابتة هي تعاونه الوثيق ميدانياً مع وكالة الإستخبارات المركزية الاميركية C.I. A. والإستخبارات التركية في الحرب الدائرة في سوريا وعليها وكذلك في العراق .
في ضوء الحروب والهجمات الإرهابية التي تعصف بسوريا والعراق وليبيا واليمن وسيناء المصرية والمواقف والتصريحات الصادرة عن مسؤولين كبار في دول كبرى واقليمية ، يمكن الإستنتاج ان ما تبتغيه الولايات المتحدة في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور هو بناء تحالف اقليمي رباعي الدفع ، بمعنى ارتكازه وتحريكه بقوى اقليمية اربعة : تركيا ، السعودية ، مصر ، و"اسرائيل" .
تركيا والسعودية تسعيان لقيادة المحور السنّي الذي يضم دول الخليج العربية والاردن والسودان وليبيا ويتطلع الى "استرداد" العراق واليمن وإضفاء وصايته على لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية ، فيما تقود ايران وسوريا محور المقاومة الذي يضمهما مع قوى المقاومة العربية في لبنان وفلسطين والعراق واليمن .
في المشهد الإقليمي الراهن تبدو مصر حاليّاًً خارج اطار التحالف الاقليمي الجاري بناؤه . غير ان محاولات حثيثة تجري لمعالجة تحفظاتها ومخاوفها ومشكلاتها الداخلية والاقليمية . ابرز تحفظاتها احتضان تركيا للاخوان المسلمين الذين يشتبكون في صراع سياسي ودموي عنيف مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. أخطر مخاوفها تحالف دواعش ليبيا مع الاخوان المسلمين المصريين خاصةً بعد قيامهم بقتل 21 مصرياً قبطياً ، واحتمال طرد الآف المصريين العاملين في ليبيا . كبرى مشكلاتها الداخلية حاجتها الى مليارات/بلايين الدولارات لمعالجة ضائقتها المعيشية والإجتماعية وتمويل مشروعاتها التنموية.
الى ذلك ، تقوم السعودية بمساعٍ حثيثة لتسوية النزاع بين السيسي والاخوان المسلمين بإدخال عناصر معتدلة منهم في حكومته . لهذا الغرض استقبلت الرياض اول امس الرئيس التركي وامس الرئيس المصري بغية مصالحتهما في سياق المساعي الناشطة لبناء تحالف اقليمي جديد . وثمة ما يشير الى ان السعودية قطعت وعداً للسيسي بمتابعة دعم مصر بمساعدات وقروض مالية لتعزيز برنامجها التنموي الشامل ، كما تعهدت بدعمها ضد دواعش ليبيا بجهد مشترك في جامعة الدول العربية .
اذ يحرص اركان المحور السنّي على استرضاء مصر واغرائها بفوائد الإنخراط في التحالف الإقليمي الجديد ، يبدو السيسي متحفظاً ازاء هذه الإغراءات لدوافع عدّة ليس اقلها حرصه وفريقه السياسي على استعادة مصر دورها العربي والإقليمي ومواجهة مخطط تركيا التوسعي في المنطقة وبضمنه احتضانها الاخوان المسلمين .
روسيا وايران وسوريا ادركت حجم الإغراءات كما الضغوط التي تمارس على السيسي ، فشجعته على الإنفتاح عليها والتعاون معها في إطار ما يؤمّن للجميع مصالحهم المشتركة . في هذا السياق ، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بزيارة مصر حيث اتفق مع السيسي على تزويد بلاده اسلحةً ثقيلة متطورة ومفاعلاً نووياً للأغراض السلمية . اما ايران وسوريا فقد حرصتا على تبادل معلومات استخبارية معها تساعد الدول الثلاث على مواجهة عدوهما المشترك : الإرهاب التكفيري .
في ضوء هذه الواقعات والتطورات ، تسعى الولايات المتحدة لتكون راعية التحالف الاقليمي الرباعي الدفع والمشرفة على حركته ، والضابط الحارس لتوازنٍ دقيق بين قوى المحورين السّني والمقاوم من جهة و"اسرائيل" من جهة اخرى . غير ان مساعيها ومطامعها في هذا المجال تتوقف على مدى نجاحها او اخفاقها في التوصل الى تسوية مع ايران بشأن برنامجها النووي .
الجميع في انتظار نتيجة مفاوضات اميركا وايران . أما مصر فتنتظر ردود فعل القوى الاقليمية إزاءها لتنخرط في التحالف الاقليمي الجديد او لتعزز سعيها لإستعادة دورها العربي والإقليمي المستقل .