تخوّف "اسرائيل" من ايران "نووية"
ذريعة لإبتزاز اميركا...
د. عصام نعمان
تنوح " اسرائيل" وتتباكى خوفاً ، بل تخوّفاً ، من امتلاك ايران قنبلة نووية . تدّعي ان ايران "النووية" تنوي محوها من الوجود. باراك اوباما لم يصدّق مزاعمها ، لذلك تابع مفاوضاته مع ايران متعهداً عدم تمكينها من امتلاك سلاح نووي.
بنيامين نتنياهو تظاهر بعدم إطمئنانه لتعهد اوباما ، فتواطأ مع زعماء الحزب الجمهوري المعارض على دعوته لمخاطبة الكونغرس بغية إقناع اعضائه بضرورة توقف الولايات المتحدة عن مفاوضة ايران والمسارعة الى تشديد العقوبات عليها.
هل تخشى "اسرائيل" فعلاً امتلاك ايران قنبلة نووية ؟
الجواب : كلا . "اسرائيل" لا تخشى ايران "نووية" لأن لديها اكثر من 200 رأس نووي الامر الذي يُضطر ايران الى التفكير الف مرة قبل الشروع في استعمال سلاح مماثل ضدها . فالسلاح النووي لم يُستعمل ابداً بعدما ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على كلٍّ من مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين اواخرَ الحرب العالمية الثانية سنة 1945. السبب الرئيس للإحجام عن استعمال السلاح النووي تسليمُ الدول التي تمتلكه بأن كلاًّ منها سيتضرر كثيراً جرّاء استعماله.
الى ذلك ، ثمة سبب آخر يردع ايران عن امتلاك سلاح نووي . انه الخوف من مسارعة "اسرائيل" الى إستعماله ضدها بدعوى استباق ضربة نووية ايرانية قيد الإطلاق ...
الحقيقة ان تخوّف "اسرائيل" من ايران "نووية" ذريعةٌ لإبتزاز الولايات المتحدة على جميع المستويات لأغراض مالية وعسكرية وسياسية . فهي تمارس من الضغوط السياسية والديبلوماسية والإعلامية ما يحمل واشنطن على شراء سكوتها او ، في الاقل ، التخفيف منها بمنحها المزيد من المساعدات بمليارات الدولارات . وهي تتذرع بخوفها من ايران "نووية" لحمل واشنطن على طمأنتها بمنحها اسلحة ثقيلة متطورة تضمن تفوقها العسكري والتكنولوجي على مجمل الدول العربية . ألم توقع معها قبل ايام صفقة لتزويدها 14 طائرة مقاتلة اضافية من طراز "اف 35" بقيمة 2,8 مليار دولار؟ وهي تستثمر سياسياً مزاعمها حول هلع الإسرائيليين وشروعهم بالهجرة من اجل حمل الولايات المتحدة على السكوت عن توسيع رقعة الإستيطان في الضفة الغربية كما على امتناع نتنياهو عن تقديم تنازلات محدودة لإقناع الفلسطينيين بالعودة الى المفاوضات . ألم تعلن منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية ان حكومة نتنياهو حرصت على إجراء عدد قياسي من عطاءات (مناقصات) البناء الإستيطاني في الآونة الاخيرة ؟ ألم تسكت واشنطن في الواقع عن توسيع رقعة الإستيطان ، راضخةً بذلك لإبتزاز تل ابيب؟
إن اذعان الولايات المتحدة لإبتزاز "اسرائيل" يحمل المرء على الإعتقاد بأنها ربما تكون متواطئة مع حكومة نتنياهو على اعتماد هذا النهج الملتوي لتبرير انحيازها ومضاعفة دعمها للكيان الصهيوني ، سياسياً وعسكرياً ومالياً.
لكن ، ماذا لو اخفقت الولايات المتحدة في التوصل الى تسوية مع ايران بشأن برنامجها النووي او انها تقصّدت ذلك اصلاً ؟
ثمة ثلاث تداعيات ذات دلالات لافتة سوف تنشأ عن ذلك:
اولها ، ان اوباما وحزبه الديمقراطي سوف يتضرران كثيراً من ذلك الإخفاق (او التواطؤ) وسينعكس ذلك سلباً على الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة القادمة كما في إنتخابات الكونغرس ، فيحتل الجمهوريون البيت الابيض كما تلّة الكابيتول.
ثانيها ، ان عدم التوصل الى تسوية "نووية" مع ايران سيحمل ادارة اوباما (والادارة الجمهورية التي ستخلفها) على تشديد العقوبات على طهران الامر الذي سيعزز نفوذ "اسرائيل" ويضاعف غطرستها من جهة كما سيصب الزيت على نار الصراعات الاقليمية ويزيدها احتداماً من جهة اخرى.
ثالثها ، ان الولايات المتحدة تكون قد "خسرت" كل ما قدّمته لـ "اسرائيل" من اموال وطائرات لشراء سكوتها عن تسوية مفترضة مع ايران ، بل تكون قد خسرت ما تبقّى لها من صدقية وهيبة لدى العرب ، حكومات وجماهير ، وافسحت في المجال امام محور المقاومة (ايران وسوريا وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين) لتعزيز وجوده وفعاليته .
اما اذا افلحت الولايات المتحدة في التوصل الى تسوية "نووية" مع ايران ، فإن سؤالاً ملحاحاً ينهض في الحال: هل تتعاون واشنطن وطهران (وحلفاؤهما ايضاً) في مواجهة مشتركة للإرهاب ، ام تراها تتحالف مع بعض تنظيمات الإرهاب لتصفية حسابات عالقة مع قوى المقاومة العربية على امتداد الوطن الكبير؟