واجهوا الإرهاب بتضامن الحكومات وتوحيد المقاومات...
د. عصام نعمان
لا غلوّ في القول إن الإرهاب بات يتساوى مع العدو الصهيوني في خطورة تهديده للامة إن لم يكن يتقدّم عليه في هذه الآونة . تتأكد صدقية هذه المقولة مع تزايد تعاون "اسرائيل" عسكرياً مع جبهة "النصرة" في جنوب سوريا ، وإلتقاء مخططاتها إستراتيجياً مع التنظيمات الإرهابية لتقسيم دول الطوق المشرقية.
في جنوب سوريا ، تساند "اسرائيل" بالدعم اللوجيستي والقصف المدفعي جبهة "النصرة" وحلفاءها بغية توسيع احتلالها للمنطقة التي كانت تشغلها قوات "اندوف" الاممية للفصل بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية في الجولان المحتل . كما تعلن "اسرائيل" تباعاً معالجة مئات الجرحى من مسلحي "النصرة" واخواتها في مشافيها . فوق ذلك ، خرقت "اسرائيل" قبل نحو ثلاثة اسابيع اتفاق فصل القوات بضربها موكباً لكوادر من حزب الله داخل الاراضي السورية بدعوى انهم كانوا يعدّون لعملية ضدها في قلب الجولان المحتل .
في محافظات سوريا الشرقية وجاراتها محافظات العراق الغربية ، اقام تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" "دولةَ الخلافة" واعلن عزمه على توسيع رقعتها لتشمل لاحقاً لبنان والاردن والسعودية والكويت. من شأن هـذه الدولة - الاسفين تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات ، وفصل سوريا عن بلاد الرافدين وبالتالي عن ايران ، ودعم جهود "اسرائيل" ومن ورائها الولايات المتحدة الرامية الى تقسيمها لثلاثة او اربعة كيانات .
تجلّت مخاطر التحدي الاسلاموي الإرهابي بأبشع صوره بقيام "داعش" بحرق الطيار الاردني الاسير معاذ الكساسبة حياً على مرأى من العالم . دلالة هذا الحدث الجلل ان "داعش" قادر وجادٌّ في مواجهة دول الطوق جميعاً رغم ان إحداها ، الاردن ، تستضيف غرفة عمليات مشتركة من ضباط اميركيين وعرب تتولى تنسيق عمليات التنظيمات المسلحة في جنوب سوريا ، كما تتولى إدارة معسكرات لتدريب مقاتلي فصائل المعارضة السورية "المعتدلة".
حرقُ الطيار الاسير حياً هزّ الاردن حكومةً وشعباً ، فأرتفعت اصوات قيادية وشعبية تطالب الملك والحكومة بإعادة النظر بالسياسة الراهنة المناوئة لسوريا بغية التعاون معها في مواجهة الإرهاب المستشري .
تردد ايضاً ان الحدث الجلل اقلق الاوساط الحاكمة في دول "التحالف الدولي ضد الإرهاب" ، وان قياديين سياسيين وإعلاميين فيها دعوا الى اعادة النظر بالسياسة الراهنة المناوئة لسوريا ، مؤكدين ان مواجهة الإرهاب لن تستقيم إلاّ بالتعاون معها.
غير ان واقعات ميدانية لافتة رافقت واعقبت ردود الفعل المطالبة بإعادة النظر بالسياسة المناوئة لسوريا . فقد شنّت جبهة "النصرة" ، انطلاقاً من منطقة الزبداني ، هجمةً شديدة على منطقة "جديدة يابوس" و"المصنع" الحدودية واستطاعت تهديد طريق بيروت-دمشق لمدة اربع ساعات قبل ان يتمكّن الجيش السوري من ردها على اعقابها وتكبيدها خسائر فادحة . وفي الغوطة الشرقية ، استهدف "جيش الإسلام" بالقصف المدفعي والصاروخي احياء دمشق السكنية وجامعتها ومدارسها ما ادى الى سقوط اكثر من 11 شهيداً وعشرات الجرحى بينهم اطفال وطلاب .
هذه الهجمات على دمشق وعلى منطقة بالغة الحساسية تحتضن طريق بيروت- دمشق الإستراتيجية إن تدل على شيء فعلى ان جبهة "النصرة" باتت جزءاً من تحالف اميركي- صهيوني – اقليمي يبتغي إضعاف سوريا تمهيداً لتقسيمها ، وان جبهة "النصرة" و "جيش الإسلام" ما كانا ليقوما بتلك الهجمات لولا ضوء اخضر من ذلك التحالف . هذا يدل على ان سوريا وقوى المقاومة العربية باتت هدفاً مشتركاً للعدوّين الصهيوني والإرهابي.
كيف الخروج من هذه الإشكالية المدّمرة ؟
لئن لم تدرك اطراف "التحالف الدولي" بعد ان تنظيم "الدولة الإسلامية" يعاديها جميعاً ، عرباً وعجماً ، وانه ممعن في تحديها واهانتها فإن السلوكية المتوحشة لهذا التنظيم الإرهابي المقتدر ستحملها ، عاجلاً او آجلاً ، على إعادة النظر بسياستها المعادية لسوريا بغية تكوين اوسع جبهة اقليمية ودولية ضد الإرهاب. في هذا المجال ، ثمة مهام مطلوبة من اطراف "التحالف الدولي" واخرى مطلوبة من قوى المقاومة العربية .
لعل أبرز المهام المطلوبة من دول "التحالف الدولي" ثلاث :
اولاها ، الإعلان والإلتزام بأن الإرهاب بجميع فصائله الناشطة في شتى دول العالم ، وخصوصاً في سوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا واليمن ، يشكّل تهديداً للبشرية كلها ، دولاً ومجتمعات ، وان مواجهته على جميع المستويات السياسية والامنية والثقافية والإجتماعية ، هي من اهم واجبات الدول وقوى المقاومة العربية ومهامها في الحاضر والمستقبل .
ثانيتها ، إتخاذ قرار في مجلس الامن الدولي بموجب الفصل السابع بدعوة الدول والكيانات والهيئات السياسية والامنية الى التضامن في مواجهة الإرهاب لوقف تسليح وتمويل ودعم الكيانات والفصائل والهيئات الإرهابية ايّاً كانت طبيعة الدعم وحجمه ووجهة استعماله تحت طائلة إتخاذ تدابير زجرية او قسرية رادعة ضد الأطراف المخالفة ، ووجوب احتجاز الإرهابيين الموقوفين ومحاكمتهم وإنزال اشد العقوبات بهم .
ثالثتها ، إلغاء جميع معسكرات وترتيبات تدريب مجندين في تركيا والاردن للقتال في سوريا والعراق ولبنان ومصر ، وتحويل الميزانيات والإعتمادات المقررة لإدامتها وادارتها الى الدول الملتزمة بإستخدام جيوشها ميدانياً في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
اما قوى المقاومة العربية فلعل ابرز المهام المطلوبة منها ثلاث :
اولاها ، اعتبار الكيان الصهيوني والإرهاب بكل مدارسه وفصائله عدوّين مركزيين للأمة ، والإلتزام بمواجهتهما بكل الاسلحة والوسائل والتقنيات المتاحة على جميع المستويات ، سياسياً وامنياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ، في جميع الدول والمجتمعات العربية .
ثانيتها ، عقد اجتماع استثنائي عاجل لقيادات حركات المقاومة العربية ، خصوصاً تلك الناشطة ضد العدوّين الصهيوني والإرهابي في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والاردن ومصر وليبيا واليمن ، من اجل التوافق على برنامج سياسي وإستراتيجية جهاد متكاملين لمواجهة عدوّي الأمة في جميع الميادين .
ثالثتها ، إعتبار جبهات دول الطوق جبهةً واحدة وفتحها امام قوى المقاومة وفق الإستراتيجية المتفق عليها ، واقامة قيادة مركزية وقيادات اقليمية ومحلية لقوى المقاومة المشاركة في المواجهة الشاملة ضد عدوّي الامة المركزيَين .
إننا في حال حرب متواصلة يشنّها علينا مباشرةً عدوّان مركزيان ، واخرى يشنّها علينا مداورةً حلفاء هذين العدوّين ، فهل يتطلب الدفاع المشروع عن النفس رخصة من احد ؟