يُّ "إسلام" يضرب فرنسا ويتربص بالغرب ؟
د. عصام نعمان
دول الغرب ، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا ، تتحسب منذ سنوات لهجمات يشنّها اسلاميون "جهاديون" في عمقها . هي تعلّم ان بعضاً من هؤلاء اسهمت اجهزة استخباراتها في تصديرهم الى ساحات الإقتتال والقتل في سوريا والعراق ، وان بعضهم الآخر سوف يعود ويرتدّ عليها ويضرب في عقر دارها. مع ذلك بدت فرنسا ، كما غيرها من دول اوروبا ، وكأنها فوجئت بالمجزرة التي نفذها الاخوان شريف وسعيد كواشي بحق محرري ورسامي صحيفة "شارلي ايبدو" في قلب باريس. هل هو عمى الالوان ام ضغط المصالح الإقتصادية ما حجب رؤية الحكومات واجهزة الإستخبارات الغربية وحال دون تمييز عدوها الرئيس وتفرعاته وخلاياه المنتشرة تحت كل كوكب؟
الإستخبارات الفرنسية ، وقبلها الاميركية ، تعلم ان الاخوين كواشي مرتبطان بداعية اصولي هو ابو بكر حكيم في تونس كان يقوم بتجنيد وتدريب "المجاهدين" من الفقراء والمهمشين والعاطلين من العمل ويرسلهم الى العراق وسوريا. ولعلهما يعلمان ايضاً أن الأخوين كواشي كانا في سوريا قبل ستة اشهر من هجومهما على الصحيفة.
اكثر من ذلك ، الإستخبارات الفرنسية وغيرها من اجهزة الإستخبارات في اميركا واوروبا ، تعلم ان بعضاً من "المجاهدين" الذين جرى إرسالهم الى ميادين "الجهاد" كانوا من اصحاب السوابق ممن قضوا في السجون اشهراً وسنوات . مع ذلك ، غضّت النظر بل سهّلت تصديرهم الى سوريا والعراق ليكونوا وقوداً لحروبٍ كان بعض دول الغرب يصبّ الزيت على نارها لتأجيجها ، فتتخلّص منهم الى الابد. وفي الواقع قضى بعض من هؤلاء فعلاً في الحرب ، لكن بعضهم الآخر افلت من الموت وعاد الى مسقط رأسه ومسرح نشأته في إحدى دول اوروبا التي يحمل جنسيتها . هؤلاء الناجون من الموت هم من يقوم بعمليات ارهابية ضد ما يُطلق عليه تنظيمُ "الدولة الإسلامية" تسميةَ "الغرب الصليبي".
ليس في وسع اجهزة الإستخبارات في الغرب إنكار معرفتها بما تنشره مجلة "دابق" او "Dabiq" بالإنكليزية من توجيهات صادرة عن "الدولة الإسلامية" الى "الجهاديين" في دول الغرب وفيها دعوة صارخة الى كلٍ منهم بأن يجاهد حيث هو ضد "الصليبيين" والأميركيين والفرنسيين وحلفائهم بأن "يضرب رأس احد هؤلاء بحجر او يطعنه بسكين او يدهسه بسيارة او يرميه من علٍ او يسممه".
يبدو ان القادة السياسيين في اميركا واوروبا ادركوا ، متأخرين ، جسامة الخطر المحدق بدولهم وشعوبهم ، لذا يعقدون اجتماعات على اعلى المستويات لوضع الخطط والترتيبات اللازمة لمواجهته ، فبماذا تراهم يفكرون ؟ هل بإعادة النظر بموقفهم ، مثلاً ، من سوريا التي اسهموا ، وما زالوا ، في دعم بعض التنظيمات "الجهادية" التي تستنزفها بلا هوادة منذ العام 2012 ؟
لا شك في ان فريقاً من القادة السياسيين في الغرب سيمانع في تعديل النهج المتبع منذ سنوات ، مترسملاً على ردود الفعل الشعبية السلبية في دول اوروبا على الإرهاب و"الجهاديين" الاسلامويين فيميل تالياً الى وضع الإسلام والإسلاميين جميعاً في سلّة ( فئة) واحدة لمحاصرتهم والتضييق عليهم وتبرير ترحيلهم . هذا الفريق يتفق في الرأي مع بنيامين نتنياهو الذي عقّب على الهجوم الذي تعرضت له صحيفة "شارلي إيبدو" بقوله : "إن الإرهاب الذي يمارسه الإسلام المتطرف لا يعرف الحدود ، ولذا يجب ان يكون التصدي له عابراً للحدود". بمن يتمثّل الإسلام المتطرف ؟ يجيب نتنياهو: " يتمثّل بالإرهاب المتطرف الذي يمارسه كلٌ من حماس وحزب الله وداعش والقاعدة"...
نتنياهو لم يوضح كيفية التصدي لكل هذه التنظيمات المتناقضة في اهدافها وسلوكياتها وتحترب فيما بينها . لكن ما يدعو اليه لا يبدو غريباً عن الولايات المتحدة وتركيا ، وكلاهما عضو في حلف "الناتو" . ألم يعلن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية التركية قبل ايام إن تركيا والولايات المتحدة تسعيان لوضع اللمسات الأخيرة على برنامجٍ لتجهيز وتدريب معارضين سوريين "معتدلين" سيربو عددهم على 15 الف مقاتل خلال ثلاث سنوات وذلك لمقاتلة "داعش" بالتعاون مع سائر فصائل "المعارضة السورية المعتدلة" ؟ ألا يعني هذا التوجّه ان ثمة مَن لا يزال يعتقد في دول الغرب ، رغم فشل تجربة "الجيش السوري الحر" ، ان بإمكان "جيش" المعارضين "المعتدلين" الجاري تدريبه مقاتلة الجيش السوري النظامي و"داعش" في الوقت نفسه ، وانه لن يهزم ليستولي مقاتلو "داعش" على اسلحته كما فعلوا مع "الجيش الحر" ؟!
لا اعتقد ان عمى الالوان وضغط المصالح هما على درجة من الحدّة تحول دون احاطة قادة الغرب بوقائع الحرب التي تشنها "الدولة الإسلامية" ضد مَن تعتبرهم اعداءها في الشرق والغرب واعداء " إسلامها" المتطرف . ولا اعتقد ان قادة الغرب على درجة من السذاجة تحملهم على التمسك بسياسة المزيد من الشيء نفسه ، أيّ وضع الإسلام والمسلمين جميعاً على تنوّعهم وتناقض سياسات حكوماتهم والصراعات الدائرة فيما بينهم في سلّة (فئة) واحدة وتكريسهم عدواً مركزياً للغرب على ضفتي المحيط الأطلسي. ولا اعتقد ان الغرب وحلفاءه في عالم العرب والمسلمين سيثابرون على تجاهل حقيقة ساطعة هي وجود تناقضات رئيسية واخرى ثانوية في العلاقات الدولية ، وان الإسلام "الجهادي" المتطرف المعقود اللواء لـِ "الدولة الإسلامية" هو في حال تناقض صارخ مع الغرب وحلفائه في الحاضر والمستقبل المنظور ، وان لا جدوى على الإطلاق من تجاهل هذه الحقيقة الساطعة والتمادي بوضع "حماس" وحزب الله مع "داعش" و"القاعدة" في سلّة (فئة) واحدة ومحاربتهم مباشرةً او مداورةً حتى آخر برميل بترول يملكه حلفاء الغرب في عالم العرب.
آن الاوان لأن تُدرك دول الغرب ، كما حلفاؤها ، ايَّ "اسلامٍ" هذا الذي يقاتلها . إنه "إسلام" يرفض الآخر المختلف عنه حتى لو كان من الملّة نفسها.