مطلبان : جائزة نوبل لمكافحة التعذيب ومحاكمة بوش...
د. عصام نعمان
ثمة جوائز نوبل للسلام ، والادب ، والطب ، والعلوم ، والإقتصاد. أدعو مسؤولي مؤسسة الجائزة العالمية الأكثر شهرةً في العالم الى ان يضيفوا الى قائمة الجوائز واحدةً بإسم مكافحة التعذيب.
ما يحدوني الى إطلاق هذه الدعوة ملخصُ تقريرٍ قُدّم الى مجلس الشيوخ الاميركي حول تعذيب المعتقلين في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش ودور وكالة الإستخبارات المركزية الاميركية في ممارسته كما في خداع البيت الابيض والكونغرس للتغطية على الجريمة المتمادية.
التقرير الهائل ( 6 الآف صفحة و6 ملايين وثيقة) وضعته لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الاميركي برئاسة السناتورة ديان فينشتاين واستغرق تحضيره خمس سنوات . وقد حاول بعض اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تأخير نشر التقرير بدعوى انه "يعرّض للخطر اميركيين في الخارج وعلاقات الولايات المتحدة مع شركاء اجانب". لكن السناتورة الديمقراطية فينشتاين رفضت الإذعان واصرّت على نشره. فعلت ذلك لأن ولايتها كرئيسة للجنة الإستخبارات تنتهي اواخرَ الشهر الجاري ويخلفها في منصبها سناتور جمهوري بعدما اصبح للجمهوريين الغالبية في مجلس الشيوخ . وإذا ما تأخّر نشر التقرير فسيحاول الجمهوريون وقف نشره او ، في الاقل ، نشر اجزاء محدودة منه لتجنّب المساءلة .
ليس ادل على خطورة الجرائم والمخالفات التي اوردها التقرير من مسارعة الرئيس باراك اوباما الى التنديد بأساليب التعذيب التي استخدمتها وكالة الإستخبارات المركزية بقوله : "هذه الوسائل القاسية لم تكن مخالفة لقيمنا فحسب بل لم تكن مفيدة لجهودنـا في محاربــة الإرهـاب او مصالـح امننـا القومي (...) فقد قوّضت السلطة المعنوية لأميركا في أنحاء العالم ".
اوباما كان وقّع يوم توليه منصبه العام 2009 امراً تنفيذياً يقضي بمنع استخدام اساليب التعذيب . التقرير لم يشر الى مخالفات واخطاء حدثت اثناء ولايته اذْ اقتصرت التحقيقات المجراة على عهد الرئيس بوش الابن فقط. لذلك اعتبر منتقدو الادارة الجمهورية السابقة التقرير ادانةًً كاملة لعهد بوش الابن وممارساته تحت ذريعة مكافحة الإرهاب .
أجل ، إن فضْح التقرير لأساليب التعذيب التي مارستها الإستخبارات الاميركية لم يكشف انها لم تكن مخالفة "للقيم الاميركية" فحسب ، كما قال اوباما ، بل انها لم تكن مفيدة لجهود ادارته في محاربة الإرهاب ايضاً. اكثر من ذلك ، اساءت ممارسة التعذيب الى سمعة الولايات المتحدة في العالم التي يحرص قادتها على تعيير دول عدّة بأنها تمتهن حقوق الإنسان وتلجأ الى ممارسة التعذيب في محاربة خصومها من المعارضين السياسيين . ولا شك في ان بعض المتورطين في إنتهاك حقوق الإنسان من رؤساء الدول سينتهزوا الفرصة التي اتاحها تقرير لجنة الإستخبارات لرد الصاع صاعين للولايات المتحدة ، كما سيعتبرها بعضهم الآخر "قدوة" في ممارسة الإرهاب والعنف بأن يلجأ الى اقتباس اساليب استخباراتها في تعذيب المعتقلين ويمارسه على نطاق واسع ضد الخصوم من مناصري المعارضة السياسية المدنية والثورية .
فوق ذلك ، ستبتهج تنظيمات الإرهاب والعنف الاعمى ، ولاسيما "داعش" و"النصرة" ، لإعتراف الولايات المتحدة بممارسة استخباراتها اساليب التعذيب مع معتقليها فتحتفل وتبرر لجوءها الى الاساليب نفسها من قطع الاعناق وبتر الأيدي وبقر البطون وإنتزاع الاكباد وغيرها من "العقوبات" التي تزعم انها "اسلامية شرعية" .
ازاء هذه الفضائح والفظائع ، أقترحُ على مؤسسة جائزة نوبل العالمية منح السناتورة ديان فينشتاين جائزة مستحدثة اسمها "جائزة نوبل لمكافحة التعذيب". فهي لم تكتفِ بالإصرار على نشر التقرير الخطير الذي يكشف اساليب التعذيب والجرائم والموبقات التي ارتكبتها وكالة الإستخبارات المركزية طوال عهد الرئيس بوش الابن بل سارعت ايضاً الى مطالبة الكونغرس بإجراء تحقيق في ما سُمّي "اساليب استجواب (تعذيب) محسّنة" لجأت الاستخبارات المركزية الى اعتمادها مؤخراً.
اذا كانت الثقافة السياسية السائدة والمصالح الكبرى المتحكمة بالولايات المتحدة حالياً تحول دون محاكمة جورج دبليو بوش ومساعديه المتورطين بممارسة التعذيب والكذب والتزوير لتبرير شن الحرب على العراق العام 2003 فإن ثمة طريقة اخرى لملاحقة هؤلاء وادانتهم : دعوة مسؤولي محكمة الضمير العالمية (مؤسسها الفيلسوف الراحل برتراند راسل) الى مباشرة الإعداد لمحاكمة مدوّية لبوش وزمرته كي يكونوا عبرةً للرؤساء والمرؤوسين في شتى انحاء العالم المتورطين بممارسة التعذيب والكذب والتزوير لتبرير جرائمهم ، وليكون الحكم الصادر بحقهم آيةً في إحقاق الحق والعدالة ورادعاً لكل منتهكٍ ، حاليّاً او لاحقاً ، لحقوق الإنسان عموماً وحقه في الحرية والكرامة خصوصاً .
اذا تعذّر ، لأي سبب من الاسباب ، انعقاد محكمة راسل ، فلا بأس في مبادرة قوى الحرية والديمقراطية والسلام في العالم ، ولاسيما في عالم الجنوب ، الى تأسيس محكمة ضمير عالمية تنهض بهذه المهمة الإنسانية النبيلة بغية تنظيم محاكمة عامة مدّوية لبوش وزمرته والمتورطين معه في سائر دول العالم.