هدنة " نووية " مع استمرار الحرب الناعمة
د. عصام نعمان
ثمة سبع دول تفاوضت في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني ، لكن الاهم بينها اثنتان : الولايات المتحدة وايران. ذلك ان الدول الاخرى حليفة ضمنية لكلٍ من هاتين الدولتين وإن كان لها اراء ومواقف خاصة بشأن بعض القواعد والتفاصيل موضوع المفاوضات . لا شك في ان الولايات المتحدة هي الأقوى بين الدول المتفاوضة بالنظر الى قدراتها الذاتية الهائلة من جهة ، ولكونها تحتضن في الواقع حليفتها الاثيرة "اسرائيل" من جهة اخرى.
اذا ما استخدمنا ميزان الارباح والخسائر في تقويم مرتجيات كلٍ من الدول المتفاوضة بالإضافة الى "اسرائيل" ، لخرجنا بإستنتاج اولي مفاده ان الجميع ربح في نواحٍ من المفاوضات وخسر في اخرى.
الولايات المتحدة ربحت تمديد المفاوضات بعدما تعذّر عليها فرض اتفاق نهائي بسبب حقائق ثلاث : اولاها ، ان ميزان القوى الداخلي ليس في مصلحة اوباما بعد سيطرة الجمهوريين على مجلسيّ الكونغرس . فالجمهوريون معروفون بتشددهم حيال ايران. ثانيتها ، ان "اسرائيل" الواسعة النفوذ في الاوساط الامريكية عموماً وفي الكونغرس خصوصاً شنّت حملة مؤثرة على ادارة اوباما للحؤول دون توصلها الى اتفاق نهائي مع ايران . ثالثتها ، تمسّكُ ايران بحقها بتخصيب اليورانيوم لتأمين حاجاتها الذاتية ، ورفضُها مقايضة تقليص حقها هذا برفع العقوبات المفروضة عليها او الدخول في مساومات حول قضايا اقليمية عالقة تمسّ مصالح حلفائها.
كانت طهران اعلنت رفضها تمديد المفاوضات في حال عدم إنجاز اتفاق نهائي قبل 24/11/2014. غير انها عادت عن رفضها بعدما توصلت الى تسوية مبدئية مع واشنطن بشأن نسبة تخصيب اليورانيزم على ان يصار الى استكمال الشروط التقنية بشأنها في مفاوضات لاحقة. وفي مقابل موافقة ايران على تمديد المفاوضات، وافقت الولايات المتحدة على الإفراج عن 700 مليون دولار شهرياً من ارصدة ايران المجمدة في المصارف الامريكية لغاية 30/6/2015 ، اي ما يربو على 5000 بليون/مليار دولار.
موافقة ايران على تمديد المفاوضات سبعة اشهر اضافية اعتبرتها ادارة اوباما كسباً لها في الظروف الدولية والإقليمية الراهنة . غير ان اوساطاً امريكية معارضة لأوباما فسرت فشل ادارته في التوصل الى اتفاق نهائي بأنه فرصة للاطراف المتشددة لتقويض خيار المفاوضات وبالتالي عرقلة الإتفاق النهائي بين دول الغرب وايران. صحيفة "فورن بوليسي" كشفت ان عدداً من اعضاء الكونغرس يرغبون في جولة جديدة من العقوبات ضد ايران لإعتقادهم ان الضغط الإقتصادي وحده سيدفعها الى القبول بإتفاق على برنامجها النووي يرضي دول الغرب .
بنيامين نتنياهو إبتهج لعدم توصل مجموعة دول 5 +1 وايران الى اتفاق نهائي. ردّد لازمته المعهودة بأن " لا إتفاق خير من اتفاق سيّء" . شدّد على أنه لا يجوز رفع العقوبات المفروضة على طهران قبل ان يتمّ نزع قدرتها على انتاج قنبلة نووية. فوق ذلك ، دعا الى تشديد العقوبات الدولية المفروضة عليها في الوقت الذي تستمر المحادثات معها.
اذا كان عدم التوصل الى اتفاق نهائي يُعتبر كسباً لنتنياهو ، فإن موافقة الولايات المتحدة على الإفراج عن 700 مليون دولار شهرياً من ارصدة ايران المجمدة لديها لغاية 30/6/2015 هي في رأي بعض المعلّقين الإسرائيليين نكسةً لـ "اسرائيل" لأن الأموال المفرج عنها ستساعد طهران على دعم إقتصادها ومساعدة حلفائها .
ايران اعلنت نفسها رابحة بلسان كلٍ من المرشد السيد علي خامنئي ورئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني. خامنئي اكّد ان دول الغرب لم تتمكن من تركيع ايران في المفاوضات . روحاني قال إن المفاوضات ستؤدي في نهاية المطاف الى اتفاق ، موضحاً في الوقت نفسه ان طهران لن تتنازل عن برنامجها النووي.
اعلان خامنئي بأن دول الغرب فشلت في تركيع ايران مرده الى ان طهران كانت تتوقع ان تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات اضافية عليها جراء رفضها القبول بمشروعهما لتحجيم برنامجها النووي . غير ان نتيجة المفاوضات جاءت مغايرة تماماً اذ اضطرت واشنطن الى الموافقة على الإفراج عن 5000 بليون/ مليار دولار خلال الاشهر السبعة القادمة لقاء تمديد المفاوضات . بدوره بادر الاتحاد الاوروبي الى تمديد تعليق إجراءات عقابية بشأن أنشطة متعددة تتعلق بقطاعات اساسية في الإقتصاد الإيراني.
عدم التوصل الى اتفاق نهائي يُعتبر نكسة لإيران . لكن تثبيت حقها بالتخصيب وعدم فرض عقوبات اضافية عليها ، واستمرار تجميد العقوبات الاوروبية وبعض العقوبات الامريكية ، والإفراج عن 5000 بليون / مليار دولار من ارصدتها المجمدة ، واتجاه روسيا والصين ، منفردتين ، الى رفع بعض العقوبات الدولية المفروضة عليها ، ُتعتبر مكاسب واضحة لها .
ما المحصّلة النهائية لمفاوضات فيينا ؟
لا غلوّ في القول ان المفاوضات ادّت الى تمديد هدنة "نووية" قلقة بين ايران ودول الغرب الاطلسي الثلاث ، والى تقارب ملموس بينها وبين روسيا والصين ، والى تأكيد وعد مقطوع من الولايات المتحدة بالإستمرار في المفاوضات ، لا بالعقوبات ، من اجل التوصل الى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني . لكن الهدنة الممددة لا تعني وقف الحرب الناعمة الناشطة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة اخرى . فالولايات المتحدة ما زالت تشن حربها الناعمة بواسطة اجهزة استخباراتها ضد ايران في مناطق البالوتش الجنوبية ، وضد سوريا بواسطة بعض التنظيمات الإسلامية المسلحة الناشطة في شمالها كما في جنوبها وغربها . و"اسرائيل" ما زالت تشن حربها الخشنة ضد المقاومة الفلسطينية في غزة وحربها الناعمة المتفاقمة ضد الإنتفاضة الوليدة في الضفة الغربية . وايران ما زالت ترد على الولايات المتحدة و"اسرائيل" بحرب ناعمة ضدهما وضد حلفائهما في العراق وسوريا واليمن.
الهدنة "النووية" نافذة. الحرب الناعمة ناشطة . والتعايش القلِق مستمر بينهما الى 1/7/2015 على الاقل.