الدفاع عن النفس لا يستوجب ترخيصاً مسبقاًً د. عصام نعمان
الدفاع عن النفس لا يستوجب ترخيصاً مسبقاًً
د. عصام نعمان
أسقط الجيش "امارة" الإرهاب في شمال لبنان . لكن بعضاً من قياديي الإرهاب فضلاً عن الكثير من خلاياه النائمة بقي، على ما يبدو، طليقاً ومختفياً.
قيل ان تسوية جرى حبكها في ليل قضت بأن يُسمح لأثنين من قياديي "جبهة النصرة" ، اسامة منصور وشادي مولوي، بالتواري مقابل سيطرة الجيش على أحياء التبانة والزاهرية والاسواق القديمة في طرابلس التي كانت مرتكزَ "امارة" الإرهاب في ثاني اكبر مدن لبنان. لكن قيادة الجيش نفت ذلك وأكّدت "استمرار تدابيرها الامنية لتعقّب بقايا المجموعات ومداهمة المناطق المشبوهة جميعا"ً، ودعت "فلول الجماعات الفارة الى تسليم انفسهم للجيش الذي لن يتهاون في كشف مخابئهم او يتراجع عن مطاردتهم حتى توقيفهم".
الحقيقة ان الجيش انتصر سياسياً وأمنياً . انتصاره السياسي تجلّى في إجماع مختلف القوى السياسية على دعمه ، وبينها حزب المستقبل ( برئاسة سعد الحريري ) الذي يُعتبر الاقوى بين الاحزاب الإسلامية السنيّة ، الامر الذي جعله (الجيش) محور وحدة وطنية وشعبية لافتة. انتصاره الامني تجلّى في إعادة سيطرته على مختلف احياء طرابلس ومحيطها في منطقتي الضنية والمنية ، والعثور على مخازن سلاح ومعمل لصنع المتفجرات واسلحة وفيرة فضلاً عن نجاحه في توقيف اكثر من 162 ارهابياً وإحالتهم على القضاء العسكري.
مع ذلك يمكن القول ان انتصار الجيش سياسياً وأمنياً يبقى غير كامل ببقاء الكثير من الخلايا الإرهابية النائمة والممكن إيقاظها غب الطلب ، وبوجود مجموعات ارهابية يٌقدّر عديدها بأربعة الآف عنصر يحتشدون في منطقة القلمون السورية شرقيّ محافظة البقاع المحاذية للحدود اللبنانية – السورية .
للمجموعات الإرهابية مخطط ثلاثي الأهداف . الاول يهدف الى اقتحام القرى اللبنانية الحدودية في البقاع لإتخاذها ملاذات دافئة تقيها ثلوج مرتفعات القلمون وصقيعها أثناء فصل الشتاء الذي بات على الابواب . الثاني يهدف الى حمل الجيش اللبناني على توسيع انتشاره في شتى أنحاء البلاد بغية إضعافه بعمليات ارهابية متفرقة تقوم بها خلاياها النائمة في مختلف المناطق . الثالث يهدف الى تأمين منفذ بحري لتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وذلك بربط جرود القلمون السورية بمنطقتيّ رأس بعلبك والهرمل في البقاع ومن ثم بمنطقتيّ الضنية وعكار في شمال البلاد بقصد الوصول الى البحر.
قدرةُ المجموعات الإرهابية على تحقيق اهداف مخططها باتت صعبة بعد انكسار شوكتها في مدينة طرابلس ومحيطها ، لكنها ليست مستحيلة. لضمان هزيمتها مجدداً يقتضي تعزيز الوحدة الوطنية والشعبية حول الجيش من جهة ، وتأمين تسليمه وتذخيره من جهة اخرى. هاتان المهمتان تستوجبان اتخاذ قرار سياسي حاسم ودائم من قبل حكومة تمام سلام التي تضمّ ممثلي معظم القوى السياسية الرئيسة في البلاد. صحيح ان لبعض القوى السياسية الممثلة في الحكومة مطالب وتحفظات من شأنها تأخير ، واحياناً تعطيل ، التغطية السياسية اللازمة لعمليات الجيش في بعض المناطق الحساسة ، لكن بإمكان قيادة الجيش ، من تلقاء نفسها وبالإستناد الى خطورة الظروف والتحديات التي تمر بها البلاد ، ان تبادر الى الفعل دونما انتظار قرار من الحكومة وذلك في كل وقت يجد الجيش نفسه هدفاً لهجوم او اعتداء مباشر وسافر من اية جهة كانت. فالدفاع عن النفس كما عن البلاد من حق الجيش وواجبه دائماً وابداً ولا يحتاج الى ترخيص مسبق.
اما مسألة تسليح الجيش وتذخيره فهي وإن كانت تتطلب اتفاقاً سياسياً مسبقاً، فإنها تنطوي على ضرورة وطنية استثنائية لا تحتمل مناقشة او مماطلة ، ذلك ان الاطراف السياسية مجمعة على ان الإرهاب هو عدو البلاد كما هو عدو كلٍّ منها، وان التنظيمات الإرهابية تشكّل تهديداً ماثلاً للجيش وللأمن الوطني على الحدود كما في الداخل . وعندما تكون المسألة على هذه الدرجة من الخطورة ، فإن القيادات السياسية كما قيادة الجيش مدعوة الى الإرتفاع الى مستوى التحديات المصيرية التي تحيق بالبلاد والى تجاوز كل اسباب الفرقة والإختلاف بغية توفير الاسلحة والمعدات النوعية اللازمة من كل المصادر المتاحة للدفاع عن الوطن والشعب والمؤسسات.
لا يجوز لأي قيادة سياسية ، تحت اي ذريعة ، ان تشترط في تسليح الجيش ان يكون مصدره من دول الغرب فقط. لا مانع من اعطاء دول الغرب افضلية في توفير بعض الاسلحة والمعدات والعتاد اللازمين للجيش وفق الشروط والمعايير التي تضعها قيادته، لكن لا يجوز البتة التقصير في تسليحه اذا لم توافق دول الغرب على ذلك او لم تستجب الشروط والمعايير التي تضعها قيادة الجيش . سيادة لبنان واولوية الدفاع عن ارضه وشعبه ومؤسساته هما المحدِّدان الاساسيان لسياسته وحاجاته وسبل تأمينها.
في حال تأكدت قيادة الجيش من قصور وتقصير القيادات السياسية في مسألة الدفاع عن الوطن والشعب والمؤسسات ، فإن من حقها ، بل من واجبها ، ان تكشف ذلك للملأ جهاراً نهاراً وان تحمّل المسؤولين مغبة القصور والتقصير ونتائجهما الكارثية.
ثم لماذا المكابرة والمعاندة ؟ لدى الكثير من المسؤولين الحد الادنى من الحصافة السياسية لإيجاد مخرج عملي ولائق من هذه المشكلة المكلفة. أليس في مقدور هؤلاء ان يتوصلوا داخل مجلس الوزراء الى تسوية تقضي بالحصول على الاسلحة والمعدات والذخيرة اللازمة للجيش من طرفي الصراع : الغرب وايران في آن واحد ؟ إن من شأن هذه التسوية توفير ما يحتاجه الجيش في هذه الآونة العصيبة من جهة وتوفير التوازن في التعاطي مع قوى الخارج من جهة اخرى ، فلا يكون تسليح الجيش من مصدر وحيد ، اياً كان ، مدعاةً لإفادة طرف من طرفي الصراع دون غيره ، سياسياً ومادياً واعلامياً ، من هذا الإنجاز الوطني الكبير ، ولا اقول الصفقة الإستراتيجية .
في الظروف الإستثنائية يقتضي اجتراح حلول وتدابير استثنائية وإلاّ بقي الوطن اسير شبكة من السياسيين الصغار المنشغلين بصغائر الامور.