استنزاف العرب والكرد معاً... د. عصام نعمان
جريدة"الخليج ,البناء"
تاريخ 25/10/2014
استنزاف العرب والكرد معاً...
د. عصام نعمان
لفظياً ، ثمة إجماع على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية . فعلياً ، ثمة حرصٌ على سلوك طريق الحل العسكري. الامين العام للامم المتحدة بان كي مون يدعو الى حلٍ سياسي وتشاطره الرأي دول عدة . مع ذلك تبقى الاولوية على الارض للحل العسكري . لماذا ؟
لأن بعض اللاعبين الفاعلين ، الدوليين والإقليميين ، يظنّ ان الإنتصار في سوريا عسكرياً من شأنه ان يحلّ مشكلة كلٍ منهم ، سورياً واقليمياً .
مشكلة الولايات المتحدة هي ايران "النووية" وتهديدها المفترض لمصالحها في المنطقة ولأمن "اسرائيل" ما يستلزم إضعافها لحملها على قبول تسويةٍ لبرنامجها النووي تُعطّل قدرتها على صنع اسلحة نووية. سبيلها ، في ظنها، لتحقيق مراميها تفكيكُ محور الممانعة والمقاومة الذي يضمّ ايران وسوريا والمقاومتين اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية ("حماس" و"الجهاد الإسلامي") وتفكيك سوريا في السياق نفسه الى جمهوريات موز قَبَلية ومذهبية واثنية لضمان امن "اسرائيل".
مشكلـة الولايـات المتحـدة ازدادت تعقيـداً بتطوير تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" دوره من مجرد داعمٍ لها ولحلفائها الإقليميين ضد سوريا ونظامها الى لاعب فاعل له برنامجه الخاص ( دولة الخلافة ) ونزوعه الى التوسع على حساب حلفاء اميركا ومصالحها ولاسيما في العراق وكردستان العراق.
مشكلة تركيا هي الكرد ، داخلها وخارجها ، الطامحون الى اقامة دولة مستقلة تجمع شتاتهم الموزع بين دول اربع . سبيلها ، في ظنها ، لمنعهم من تحقيق صبواتهم في الحكم الذاتي اولاً وصولاً الى الدولة المستقلة لاحقاً هو الهيمنة عليهم حيث يقيمون وذلك بالسيطرة على سوريا وعزل كردستان العراق عن حكومة بغداد المركزية وربطه بأنقرة والتحكم ، تالياً ، بالمجتمعات الكردية فيهما لمنعها من التنسيق والتعاون مع اكراد تركيا لتحقيق الاهداف المشتركة.
مشكلة ايران الدفاعُ عن برنامجها النووي في وجه الولايات المتحدة والدول الكبرى المتحالفة معها ، والعمل للتوصل معها الى تسوية تضمن رفع العقوبات الإقتصادية الجائرة المفروضة عليها . سبيلها لتحقيق مراميها تعزيزُ حضورها ونفوذها للضغط على خصومها بمشاغلتهم بالصراعات الإقليمية . في هذا السياق، تدعم طهران سوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية المعادين جميعاً لـِ"اسرائيل" لحمل واشنطن وحلفائها على وقف ضغوطهم عليها.
مشكلة السعودية ومعظم دول الخليج العربية توسعُ نفوذ ايران في بعض دول الإقليم ودعمها لحكومات وجماعات تعادي سياسة الرياض وتهدد مصالحها. سبيلها لتحقيق مراميها توظيفُ حلفائها العرب ، حكوماتٍ ومحميات ، في تصديها للقوى التي تحاربها الامر الذي يضعها في صف واحد مع الولايات المتحدة، اقليمياً ودولياً .
مشكلة روسيا خلافها مع الولايات المتحدة بشأن أزمة اوكرانيا ولاسيما بعد قيام واشنطن بتعزيز العقوبات ضدها ، وتحريك بعض الدول المجاورة ، جورجيا ومولدافيا واذربيجان ، لإقامة قواعد لحلف "الناتو" على اراضيها ، ودعم بعض الاقليات الأثنية ، الشيشان والتتار، لمناهضتها. سبيلها لتحقيق مراميها دعمُ حلفائها القدامى ، ولا سيما سوريا ، والتقرب من ايران للتنسيق معها في مواجهة اميركا في الشرق الاوسط.
في غمرة هذا الوضع الاقليمي المأزوم والمتفجر ، يسعى بان كي مون الى تبريد الاعصاب والدفع نحو التفاوض والتسوية . سبيله الى ذلك تفعيلُ حركة مبعوثه الخاص الى سوريا ستيفان دو ميستورا ودعم جهوده بنداء في مجلس الامن يدعو "للحد من معاناة الشعب السوري والمساهمة في حل سياسي".
من الواضح ان الامين العام للامم المتحدة يعتقد ان ايجاد حل سياسي للازمة في سوريا من شأنه "حلحلة" مشاكل اللاعبين المتصارعين فيها وعليها. فسوريا باتت ، في الواقع ، متنفس هؤلاء جميعاً في سعيهم المحموم لتحقيق مراميهم ومخططاتهم في الأقليم والعالم .
التجاوب مع مساعي بان كي مون ما زال محدوداً . المندوبة الاميركية الدائمة لدى الامم المتحدة سامانتا باور قالت لمجلس الامن ، في سياق تعليقها على نداء الامين العام : " إن التوصل الى حل سياسي امر اساسي"، ثم استدركت قائلةً : "يجب ان نهزم "الدولة الإسلامية" وغيرها من الجماعات الإرهابية ، كما يجب ان نحاسب المسؤولين في نظام الاسد على فظائعه الواسعة النطاق ". سوريا ما زالت، اذاً ، مستهدفة .
وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قال لدوميستورا خلال زيارته لموسكو ان بلاده رحّبت بتعيينه وتدعو لمعاودة جهود التسوية السياسية . لكنه حرص على انتقاد الولايات المتحدة وحلفائها بقوله إنهم يغضّون انظارهم عن خطر "الدولة الإسلامية" لأنهم "يريدون استخدامها لمواجهة بشار الاسد".
وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو تجاهل نداء بان كي مون ليستبعد مجدداً تقديم مساعدات مباشرة الى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في دفاعه عن مدينة عين العرب (كوباني) ضد "داعش" بدعوى انه ، اي الحزب ، "ارهابي " لصلته بحزب العمال الكردستاني التركي.
يتضح من كل هذه الوقائع والمواقف ان عقدة الوضع الإقليمي المأزوم والمتفجر ما زالت سوريا ورئيسها من جهة والموقف الحقيقي من "داعش" من جهة اخرى. فالولايات المتحدة ترى في "داعش" خطراً على مصالحها في العراق، ولاسيما في كردستان العراق ، ولا ترى فيه خطراً على سوريا اذ مازالت تحاول ازاحة رئيسها ونظامه. تركيا لا ترى في "داعش" خطراً عليها بل ترى فيه حليفاً لها في مواجهة عدوها الرئيس : الكرد في تركيا وسوريا والعراق ، كما في مواجهة عدوها الآخر: الاسد ونظامه . اما روسيا وايران فتجزمان بأن العدو الرئيس لهما كما لسوريا والعراق وسائر الدول العربية هو "داعش" الامر الذي يستوجب الكف عن محاربة سوريا بغية الكف عن استنزاف العرب والكرد في آن واحد.
ما المخرج ؟
لعله في توصّل الولايات المتحدة والدول الخمس الكبرى الى تسوية متوازنة مع ايران بشأن برنامجها النووي ما يُقنع واشنطن بوقف الحرب في سوريا وعليها بغية تركيز جهود الجميع على هزيمة "داعش" بما هو عدو الجميع . لكن ، هل بإمكان اوباما التوصل مع ايران الى تسوية مقبولة قبل الإنتخابات النصفية الاميركية مطلعَ الشهر المقبل واحتمال سيطرة الجمهوريين ، اصدقاء "اسرائيل" وخصوم ايران ، على مجلسيّ الكونغرس ؟
السؤال هنا ... والجواب هناك .